للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الزهد ولو خرج روحه لا يأكل والناس يرونه ويحفظ نفسه في التبسم فضلا عن الضحك ويوهمه إبليس أن هذا لإصلاح الخلق وإنما هو رياء يحفظ به قانون الناموس فتراه مطاطئ الرأس عليه آثار الحزن فإذا خلا رأيته ليث شرى.

فصل: وقد كان السلف يدفعون عنهم كل ما يوجب الإشارة إليهم ويهربون من المكان الذي يشار إليهم فيه والحديث بإسناد عن عبد الله بن خفيف قال قال يوسف بن أسباط خرجت من سبج راجلا حتى أتيت المصيصة وجرابي على عنقي فقام ذا من حانوته يسلم علي وذا يسلم فطرحت جرابي ودخلت المسجد أصلي ركعتين أحد قوابي واضطلع رجل في وجهي فقلت في نفسي كم بقاء قلبي على هذا فأخذت جرابي ورجعت بعرفي وعنائي إلى سبج فما رجعت إلى قلبي سنتين.

فصل: ومن الزهاد من يلبس الثوب المخرق ولا يخيطه ويترك إصلاح عمامته وتسريح لحيته ليرى أنه ما عنده من الدنيا خير وهذا من أبواب الرياء فان كان صادقا في إعراضه عن أغراضه كما قيل لداود الطائي ألا تسرح لحيتك فقال إني عنها لمشغول فليعلم أنه سلك غير الجادة إذ ليست هذه طريقة الرسول ولا أصحابه فانه كان يسرح شعره وينظر في المرآة ويدهن ويتطيب وهو أشغل الخلق بالآخرة وكان أبو بكر وعمر يخضبان بالحناء والكتم وهما أخوف الصحابة وأزهدهم فمن أدعى رتبة تزيد على السنة وأفعال الأكابر لم يلتفت إليه.

فصل ومن الزهاد من يلزم الصمت الدائم وينفرد عن مخالطة أهله فيؤذيهم بقبح أخلاقه وزيادة انقباضه وينسى قول النبي : "إن لأهلك عليك حقا" وقد كان رسول الله يمزح فيلاعب الأطفال ويحدث أزواجه وسابق عائشة إلى غير ذلك من الأخلاق اللطيفة فهذا المتزهد الجاعل زوجته كالآيم وولده كاليتيم لانفراده عنهم وقبح أخلاقه لأنه يرى أن ذلك يشغله عن الآخرة ولا يدري لقلة علمه أن الانبساط إلى الأهل من العون على الآخرة وفي الصحيحين أن النبي قال لجابر هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك وربما غلب على هذا المتزهد التجفف فترك مباضعة الزوجة فيضيع فرضا بنافلة غير ممدوحة.

فصل: ومن الزهاد من يرى عمله فيعجبه فلو قيل له أنت من أوتاد الأرض رأى ذلك حقا ومنهم من يترصد لظهور كرامته ويخيل إليه أنه لو قرب من الماء قدر أن يمشي عليه فإذا

<<  <   >  >>