للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عرض له أمر فدعا فلم يجب تذمر في باطنه فكأنه أجير يطلب أجر عمله ولو رزق الفهم لعلم أنه عبد مملوك والمملوك لا يمن بعمله ولو نظر إلى توفيقه للعمل لرأى وجوب الشكر فخاف من التقصير فيه وقد كان ينبغي أن يشغله خوفه على العمل من التقصير فيه عن النظر إليه كما كانت رابعة تقول أستغفر الله من قلة صدقي في قولي وقيل لها هل عملت عملا ترين أنه يقبل منك فقالت إذا كان فمخافتي أن يرد علي.

فصل: ومن تلبيس إبليس على قوم من الزهاد الذي دخل عليهم فيه من قلة العلم أنهم يعملون بواقعاتهم ولا يلتفتون إلى قول الفقيه قال ابن عقيل كان أبو اسحق الخراز صالحا وهو أول من لقنني كتاب الله وكان من عادته الإمساك عن الكلام في شهر رمضان فكان يخاطب بآي القرآن فيما يعرض إليه من الحوائج فيقول في أذنه: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ ويقول لابنه في عشية الصوم ﴿مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا﴾ آمرا له أن يشتري البقل فقلت له هذا الذي تعتقده عبادة هو معصية فصعب عليه فقلت أن هذا القرآن العزيز أنزل في بيان أحكام شرعية فلا يستعمل في أغراض دنيوية وما هذا إلا بمثابة صرك السدر والأشنان في ورق المصحف أو توسدك له فهجرني ولم يصغ إلى الحجة.

قال المصنف: قلت وقد يسمع الزاهد القليل العلم أشياء من العوام فيفتي به حدثني أبو حكيم إبراهيم بن دينار الفقيه أن رجلا استفتاه فقال ما تقول في امرأة طلقت ثلاثا فولدت ذكرا هل تحل لزوجها قال فقلت لا وكان عندي الشريف الدحالي (١) وكان مشهورا بالزهد عظيم القدر بين العوام فقال لي بل تحل فقلت ما قال بهذا أحد فقال والله لقد أفتيت بهذا من ههنا إلى البصرة.

قال المصنف فانظر ما يصنع الجهل بأهله ويضاف إليه حفظ الجاه خوفا أن يرى الزاهد بعين الجهل وقد كان السلف ينكرون على الزاهد مع معرفته بكثير من العلم أن يفتي لأنه لم يجمع شروط الفتوى فكيف لو رأوا تخبيط المتزهدين اليوم في الفتوى بالواقعات وبالإسناد عن إسماعيل بن شبة قال دخلت على أحمد بن حنبل وقد قدم أحمد بن حرب من مكة فقال لي أحمد


(١) وفي النسخة الثانية الرحالي.

<<  <   >  >>