الماء العشب ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر عَلَى ذي الذهن من الثبوت عَلَى النفاق فِي قلبه وقال فضيل بْن عياض الغناء رقية الزنا وقال الضحاك الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب وقال يَزِيد بْن الوليد يا بني أمية إياكم والغناء فإنه يَزِيد الشهوة ويهدم المروءة وأنه لينوب عَنِ الخمر ويفعل مَا يفعل السكر فَإِن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فَإِن الغناء داعية الزنا.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وكم قد فتنت الأصوات بالغناء من عابد وزاهد وَقَدْ ذكرنا جملة من أخبارهم فِي كتابنا المسمى بذم الهوى أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا ثابت بْن بندار نا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْوَاحِد بْن رزمة أَبُو سَعِيد الْحَسَن بْن عَبْدِ اللَّهِ السيرافي ثني مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ معن بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن أبي الزناد عَنْ أبيه قَالَ كان سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الملك فِي بادية لَهُ فسمر ليلة عَلَى ظهر سطح ثم تفرق عنه جلساؤه فدعا بوضوء فجاءت به جارية لَهُ فبينما هي تصب عَلَيْهِ إذا استمدها بيده وأشار إليها فَإِذَا هي ساهية مصغية بسمعها مائلة بجسدها كله إِلَى صوت غناء تسمعه فِي ناحية العسكر فأمرها فتنحت واستمع هو الصوت فَإِذَا صوت رجل يغني فأنصت لَهُ حتى فهم مَا يغني به من الشعر ثم دعا جارية من جواريه غيرها فتوضأ فلما أصبح أذن للناس إذنا عاما فلما أخذوا مجالسهم أجرى ذكر الغناء ومن كان يسمعه ولين فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه فأفاضوا فِي التليين والتحليل والتسهيل فَقَالَ هل بقي أحد يسمع مِنْهُ فقام رجل من القوم فَقَالَ يا أمير المؤمنين عندي رجلان من أهل أيلة حاذقان قَالَ وأين منزلك من العسكر فأومى إِلَى الناحية التي كان الغناء منها فَقَالَ سُلَيْمَان يبعث إليهما فوجد الرسول أحدهما فأقبل به حتى أدخله عَلَى سُلَيْمَان فَقَالَ لَهُ مَا اسمك قَالَ سمير فسأله عَنِ الغناء كيف هو فيه فَقَالَ حاذق محكم قَالَ ومتى عهدك به قَالَ فِي ليلتي هذه الماضية قَالَ وفي أي نواحي العسكر كنت فذكر لَهُ الناحية التي سمع منها الصوت قَالَ فما غنيت فذكر الشعر الذي سمعه سُلَيْمَان فأقبل سُلَيْمَان فَقَالَ هدر الجمل فضبعت الناقة وهب التيس فشكرت الشاة وهدل الحمام فزافت الحمامة وغنى الرَّجُل فطربت المرأة ثم أمر به فخصي وسأل عَنِ الغناء أين أصله وأكثر مَا يكون قالوا بالمدينة وَهُوَ فِي المخنثين وهم الحذاق به والأئمة فيه فكتب إِلَى عامله عَلَى المدينة وَهُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّد بْن عمرو بْن حزم أن أخصي من قبلك من المخنثين المغنين.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وأما المعنى فقد بينا أن الغناء يخرج الإنسان عَنِ الاعتدال ويغير