وأحمل من ثقل الهوى مالو أنه ... عَلَى الجبل الصلد الأصم تهدما
قال المصنف رحمه اللَّه وسيأتي حديث يوسف بْن الْحُسَيْن وقوله عاهدت ربي أن لا أصحب حدثا مائة مرة ففسحنا عَلَى قوام القدود وغنج العيون أخبرتنا شهدة الكاتبة بإسناد عَنْ أبي المختار الضبي قَالَ حَدَّثَنِي أبي قَالَ قلت لأبي الكميت الأندلسي وكان جوالا فِي أرض اللَّه حَدَّثَنِي بأعجب مَا رأيت من الصوفية قَالَ صحبت رجلا منهم يقال لَهُ مهرجان وكان مجوسيا فأسلم وتصوف فرأيت معه غلاما جميلا لا يفارقه وكان إذا جاء الليل قَامَ فصلى ثم ينام إِلَى جانبة ثم يقوم فزعا فيصلي مَا قدر لَهُ ثم يعود فينام إِلَى جانبه حتى فعل ذلك مرارا فَإِذَا أسفر الصبح أَوْ كان يسفر أوتر ثم رفع يديه وقال اللهم إنك تعلم أن الليل قد مضى علي سليما لم أقترف فيه فاحشة ولا كتبت عَلَى الحفظة فيه معصية وأن الذي أضمره بقلبي لو حملته لتصدعت أَوْ كان بالأرض لتدكدكت ثم يَقُول يا ليل اشهد بما كان مني فيك فقد منعني خوف اللَّه عَنْ طلب الحرام والتعرص للآثام ثم يَقُول سيدي أنت تجمع بيننا عَلَى تقى فلا تفرق بيننا يوم تجمع فيه الأحباب فأقمت معه مدة طويلة أراه يفعل ذلك كل ليلة وأسمع هَذَا القول مِنْهُ فلما هممت بالانصراف من عنده قلت إذا انقضى الليل كذا وكذا فَقَالَ وسمعتني قلت نعم قَالَ فوالله يا أخي إني لأداري من قلبي مَا لو داراه سلطان من رعيته لكان اللَّه حقيقا بالمغفرة لَهُ فقلت وما الذي يدعوك إِلَى صحبة من تخاف عَلَى نفسك العنت من قبله١ وقال أَبُو مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عَبْدِ اللَّهِ الصوفي قَالَ أَبُو حمزة الصوفي رأيت ببيت المقدس فتى من الصوفية يصحب غلاما مدة طويلة فمات الفتى وطال حزن الغلام عَلَيْهِ حتى صار جلدا وعظما من الضنا والكمد فقلت لَهُ يوما لقد طال حزنك عَلَى صديقك حتى أظن أنك لا تسلو بعده أبدا فَقَالَ كيف أسلو عَنْ رجل أجل اللَّه عز وجل أن يصيبه معي طرفة عين أبدا وصانني عَنْ نجاسة الفسوق فِي خلول صحبتي لَهُ وخلواتي معه فِي الليل والنهار.
قال المصنف رحمه اللَّه: هؤلاء قوم رآهم إبليس لا ينجذبون معه إِلَى الفواحش فحسن لهم بداياتها فتعجلوا لذة النظر والصحبة والمحادثة وعزموا عَلَى مقاومة النفس فِي ضدها عَنْ الفاحشة فَإِن صدقوا وتم لهم ذلك فقد اشتغل القلب الذي ينبغي أن يكون شغله بالله تعالى لا يغيره.