وصرف الزمان الذي ينبغي أن يخلو فيه القلب بما ينفع به فِي الآخرة بمجاهدة الطبع فِي كفه عَنْ الفاحشة وهذا كله جهل وخروج عَنْ آداب الشرع فَإِن اللَّه عز وجل أمر بغض البصر لأنه طريق إِلَى القلب ليسلم القلب لله تعالى من شائب تخاف مِنْهُ وما مثل هؤلاء إلا كمثل من أقبل إِلَى سباع فِي غيضة متشاغلة عنه لا تراه فأثارها وحاربها وقاومها فيا بعد سلامته من جراحه إن لم يهلك.
فصل: وفي هؤلاء من قويت مجاهدته مدة ثم ضعفت فدعته نفسه إِلَى الفاحشة فامتنع حينئذ من صحبة المرد أخبرتنا شهدة الكاتبة عَنْ عُمَر بْن يوسف الباقلاني قَالَ قَالَ أَبُو حمزة قلت لمحمد بْن العلاء الدمشقي وكان سيد الصوفية وَقَدْ رأيته يماشي غلاما وضيئا مدة ثم فارقه فقلت لَهُ لم هجرت ذلك الفتى الذي كنت أراه معك بعد أن كنت لَهُ مواصلا وإليه مائلا فَقَالَ وَاللَّه لقد فارقته عَنْ غير قلا ولا ملل قلت ولم فعلت ذلك قَالَ رأيت قلبي يدعوني إِلَى أمر إذا خلوت به وقرب مني لو أتيته سقطت من عين اللَّه عز وجل فهجرته لذلك تنزيها لله تعالى ولنفسي من مصارع الفتن.
فصل ومنهم من تاب وأطال البكاء عَنْ إطلاق نظره أَخْبَرَنَا المحمدان بْن ناصر وابن عَبْد الباقي بإسناد عَنْ عُبَيْد اللَّه قَالَ سمعت أخي أبا عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن مُحَمَّدٍ يَقُول سمعت خيرا النساج يَقُول كنت مَعَ أمية بْن الصامت الصوفي إذ نظر إِلَى غلام فقرأ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ثم قَالَ وأين الفرار من سجن اللَّه وَقَدْ حصنه بملائكة غلاظ شداد تبارك اللَّه فما أعظم مَا امتحنني به من نظري إِلَى هَذَا الغلام مَا شبهت نظري إليه إلا بنار وقعت عَلَى قصب فِي يوم ريح فما أبقت ولا تركت ثم قَالَ استغفر اللَّه من بلاء جنته عيناي عَلَى قلبي لقد خفت ألا أنجوا من معرته ولا أتخلص من أثمه ولو وافيت القيامة بعمل سبعين صديقا ثم بكى حتى كاد يقضي نحبه فسمعته يَقُول فِي بكائه يا طرف لأشغلنك بالبكاء عن النظر إلى البلاء.
فصل: ومنهم من تلاعب به المرض من شدة الحبة أخبرتنا شهدة الكاتبة بإسناد عَنْ أبي حمزة الصوفي قَالَ كان عَبْد اللَّهِ بْن مُوسَى من رؤساء الصوفية ووجوههم فنظر إِلَى غلام حسن فِي بعض الأسواق فبلى به وكاد يذهب عقله عَلَيْهِ صبابة وحبا وكان يقف كل يوم فِي طريقه حتى يراه إذا أقبل وإذا أنصرف فطال به البلاء وأقعده عَنِ الحركة الضنا وكان لا يقدر أن يمشي خطوة فأتيته يوما لأعوده فقلت يا أبا مُحَمَّد مَا قصتك وما هَذَا الأمر الذي بلغ بك مَا أرى؟