الميت يأكل فِي القبر ويشرب وينكح لأنهم سمعوا بنعيم ولم يعرفوا من النعيم إلا هَذَا ولو قنعوا بما ورد فِي الآثار من أن أرواح المؤمنين وتجعل فِي حواصل طير تأكل من شجر الْجَنَّة لسلموا لكنهم أضافوا ذلك إِلَى الجسد قال ابْن عقيل ولهذا المذهب مرض يضاهي الاستشعار الواقع للجاهلية وما كانوا يقولونه فِي الهام والصدا والمكالمة لهؤلاء ينبغي أن تكون عَلَى سبيل المداراة لاستشعارهم لا عَلَى وجه المناظرة فَإِن المقاومة تفسدهم وإنما لبس إبليس عَلَى هؤلاء لتركهم البحث عَن التأويل المطابق لأدلة الشرع والعقل فإنه لما ورد النعيم والعذاب للميت علم أن الإضافة حصلت إِلَى الأجساد والقبور تعريفا كأنه يَقُول صاحب هَذَا القبر الروح التي كانت فِي هَذَا الجسد منعمة بنعيم الجنة معذبة بعذاب النار.
فصل: قال المصنف: فان قَالَ قائل قد عبت طريق المقلدين فِي الأصول وطريق المتكلمين فما الطريق السليم من تلبيس إبليس فالجواب أنه مَا كان عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأصحابه وتابعوهم بإحسان من إثبات الخالق سبحانه وإثبات صفاته عَلَى مَا وردت به الآيات والأخبار من غير تفسير ولا بحث عما ليس فِي قوة البشر إدراكه وأن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق قَالَ علي كرم اللَّه وجهه وَاللَّه مَا حكمت مخلوقا إنما حكمت القرآن وأنه المسموع قوله عز وجل: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} وأنه فِي المصاحف لقوله عز وجل: {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} ولا نتعدى مضمون الآيات ولا نتكلم فِي ذلك برأينا وَقَدْ كان أَحْمَد بْن حنبل ينهي أن يَقُول الرَّجُل لفظي بالقرآن مخلوق أَوْ غير مخلوق لئلا يخرج عَن الاتباع للسلف إِلَى حدث.
والعجب ممن يدعي اتباع هَذَا الإمام ثم يتكلم فِي المسائل المحدثة أَخْبَرَنَا سَعْد اللَّه بْن عَلِيٍّ البزار نا أَبُو بَكْر الطُّرَيْثِيثِيّ نا هِبَة اللَّهِ بْن الْحَسَنِ الطَّبَرِيّ نا أَبُو حامد أَحْمَد بْن أبي طاهر الفقيه نا عُمَر بْن أَحْمَدَ الواعظ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ هرون الحضرمي ثنا القاسم بْن العباس الشَّيْبَانِي ثنا سفيان بْن عيينة عَنْ عمرو بْن دِينَار قَالَ أدركت تسعة من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ وقال مالك بْن أنس من قَالَ القرآن مخلوق فيستتاب فَإِن تاب وإلا ضربت عنقه.