للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورُوي عن ابن عباس أنَّه صام التاسعَ والعاشِرَ، وَعُلَّلَ بخشية فواتِ عاشوراء. ورَوَى ابنُ أبي ذِئبٍ، عن شعبةَ مولى ابن عباس، عن ابن عباس: أنه كان يصومُ عاشوراءَ في السَّفَرِ، ويُوالي بينَ اليَوْمين؛ خشيةَ فواته. وكذلك رُوي عن أبي إسحاق أنَّه صامَ يومَ عاشوراءَ ويومًا قبلَه، ويومًا بعدَه، وقال: إنما فعلْتُ ذلك خشيةَ أنْ يفوتَنِي. وروي عن ابن سيرين أنَّه كان يَصُومُ ثلاثةَ أيام عند الاختلافِ في هلالِ الشهر احتياطًا. ورُوي عن ابن عباس، والضحَّاك، أن يومَ عاشوراءَ هو تاسع المحرَّمِ.

قال ابن سيرين: كانوا لا يختلفون أنه اليومُ العاشِرُ، إلا ابن عباس، فإنه قال: إنَّه التاسعُ. وقال الإمامُ أحمد في رواية الميمُوني: لا أَدْرِي، هو التَّاسِع أو العاشِرُ، ولكنْ نصومُهما. فإن اختُلِفَ في الهلال صامَ ثلاثةَ أيام احتياطًا. وابن سيرين يقول ذلك.

وممَّن رأى صيامَ التاسِع والعاشِر الشافِعيُّ وأحمدُ وإسحاق. وكَرِهَ أبو حنيفةَ إفرادَ العاشر وحدَه بالصَّوْم. وروى الطبرانيُّ من حديث ابن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن خارجةَ بن زيدٍ، عن أَبيه، قال: ليس يومُ عاشوراء باليوم الذي يقول النَّاسُ، إنَّما كان يومًا تُسْتَرُ فيه الكَعْبَةُ وتقلِسُ (١) فيه الحَبَشَةُ عندَ النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكان يدُورُ في السنةِ، فكان الناسُ يأتون فلانًا اليهوديَّ يسألونه، فلمّا ماتَ اليهوديُّ أتوا زيدَ بن ثابتٍ فسألوه.

وهذا فيه إشارة إلى أن عاشوراءَ ليس هو في المحرم، بل يُحسَبُ بحساب السَّنة الشمسيةِ، كحسابِ أهلِ الكتابِ. وهذا خلافُ ما عليه عمل المسلمينَ قديمًا وحديثًا.

وفي صحيح مسلم (٢) عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَعُدُّ من هلالِ المحرَّم، ثم يُصبِحُ يومَ التاسِعِ صائمًا. وابنُ أبي الزِّناد لا يُعْتَمَدُ على ما ينفَرِدُ به، وقد جَعَلَ الحديثَ كُلَّه عن زيدِ بن ثابتٍ، وآخرُه لا يصلُحُ أنْ يكونَ من قولِ زيدٍ، فلعلَّه مِن


(١) التَّقْلِيسُ: الضرْب بالدُّفِّ، والغناء. والمُقَلسون: هم الذين يلعبون بين يدي الأمير إذا وصل البلد، الواحد: مُقَلِّس. (النهاية).
(٢) مسلم (١١٣٣) (١٣٢) في الصيام، باب أي يوم يصام في عاشوراء.

<<  <   >  >>