للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِن الماءِ، والخلافُ في أنَّ الماءَ هَلْ (١) هو أوَّلُ المخلوقاتِ أم لا مشهورٌ، وحديثُ أبي هريرة يدُلُّ على أن الماءَ مادَّةُ جميعِ المخلوقاتِ، وقد دَلَّ القرآنُ على أن الماءَ مادةُ جميع الحيوانات، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (٢). وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} (٣). وقولُ مَن قال: إنَّ المرادَ بالماء النُّطْفةُ التي يُخلَقُ منها الحيواناتُ بعيدٌ لوجهين:

أحدهما (٤): أن النُّطْفَةَ لا تُسمَّى ماءً مُطلقًا بل مقيَّدًا؛ لقوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (٥)، وقوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} (٦).

والثاني: أنَّ مِن الحيواناتِ ما يتولَّدُ مِن غيرِ نُطْفَةٍ، كدودِ الخلِّ، والفاكهةِ ونحوِ ذلك؛ فليس كلُّ حيوانٍ مَخلوقًا من نُطفةٍ. والقرآنُ دلَّ على خَلْقِ جميعِ ما يَدِبُّ وما فيه حياةٌ مِن ماءٍ، فعُلِمَ بذلك أن أصلَ جميعِها الماءُ المطلَقُ؛ ولا يُنَافِي هذا قولَه تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} (٧)، وقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُلِقَتِ الملائكةُ مِن نُورٍ"، فإنَّ حديثَ أبي هريرة رضي الله عنه دَلَّ على أن أصلَ النُّورِ والنَّارِ الماءُ، كما أن أصلَ التُّرابِ الذي خُلِقَ منه آدمُ الماءُ، فإنَّ آدمَ خُلِقَ من طينٍ، والطينُ ترابٌ مختلطٌ بماءٍ، والتُّرابُ خُلِقَ مِن الماءِ كما تقدَّمَ عن ابن عبَّاسٍ وغيرِه. وزعم مُقاتِلٌ: أن الماءَ خُلِقَ من النُّورِ، وهو مَردودٌ بحديثِ أبي هريرة هذا وغيره. ولا يُستنكَرُ خَلْقُ النَّارِ مِنَ الماءِ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ جَمَعَ بقدرتِه بينَ الماءِ والنَّارِ في الشَّجرِ الأخضَرِ، وجَعَلَ ذلك مِن أدلةِ القُدرةِ على البَعْثِ. وذكر الطبائعيون: أن الماءَ بانحدارِه يَصيرُ بُخارًا، والبخار ينقلبُ هواءً، والهواء ينقلبُ نارًا، والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرةَ حين سأله عن بناءِ الجنَّةِ، فقال: "لَبِنةٌ مِن ذَهَبٍ، ولَبِنةٌ مِن


(١) لفظ "هل" لم يرد في آ.
(٢) سورة الأنبياء الآية ٣٠.
(٣) سورة النور الآية ٤٥.
(٤) في آ: "أحدها".
(٥) سورة الطارق الآية ٦ و ٧.
(٦) سورة المرسلات الآية ٢٠.
(٧) سورة الحجر الآية ٢٧.

<<  <   >  >>