للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا ما تجدَّدَ فَصْلُ الرَّبيعِ … تجدَّدَ للقلب فَضْلُ الرَّجاءِ

عَسَى الحالُ يصلحُ بَعْدَ الذنوبِ … كما الأرضُ تهتزُّ بَعْدَ الشتاءِ

ومن ذا الذي ليس يرجوك ربّ (١) .... وَرَبْعُ عطائِكَ رَحْبُ الفِنَاءِ

* * *

[المجلس الثاني في ذكر فصل الصيف]

خرجَّا في "الصحيحين" (٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّها، فقالت: يارَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لها بنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ في الشِّتَاء، وَنَفَسٍ في الصيف، فأشَدَّ ما تجدون من الحَرِّ من سَمُوم جهنَّم، وأشَدُّ ما تجدون من البَرْدِ مِن زَمْهَرير جهنَّم". لا شكَّ أن الله تعالى خلق لعباده دارين يجزيهم فيهما بأعمالهم، مع البقاء في الدَّارين من غير موتٍ؛ وخَلَقَ دارًا معجَّلةٌ للأعمال وجَعَلَ فيها موتًا وحياةً، وابتلَى عبادَه فيها بما أمرَهم به ونهاهم عنه، وكلَّفهم فيها الإيمان بالغيب؛ ومنه الإيمانُ بالجزاء والدَّارين المخلُوقتين له، وأنزل بذلك الكتُبَ، وأرسَلَ به الرُّسُلَ، وأقامَ الأدِلَّةَ الواضِحَةَ على الغيب الذي أمر بالإيمان به، وأقام علاماتٍ وأماراتٍ تدُلُّ على وجود دارَي الجزاءِ؛ فإنَّ إحدى الدَّاريْن المخلوقتين للجزاءِ دارُ نَعيمٍ محضٍ لا يشُوبُه ألَمٌ، والأخرى دارُ عذابٍ محضٍ لا يشُوبُه راحَةٌ.

وهذه الدار الفانية ممزوجةٌ بالنِّعيم والألم؛ فما فيها من النَّعيم يُذكِّر بنعيم الجنة، وما فيها من الألم يُذكِّرُ بألم النار، وجَعَلَ الله تعالى في هذه الدار أشياءَ كثيرةً تُذكِّرُ بدار الغيب المؤجَّلة الباقية.


(١) في ط: "ربي".
(٢) رواه البخاري رقم (٣٢٦٠) في بدء الخلق: باب صفة النار وأنها مخلوقة، ومسلم رقم (٦١٧) في المساجد: باب استحباب الإبراد بالظهر من شدة الحر، والترمذي رقم (٢٥٩٥) في صفة جهنم: باب ما جاء أن للنار نفسين، وابن ماجة رقم (٤٣١٩) في الزهد: باب صفة النار.

<<  <   >  >>