للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعيدَها إليها. قال بعضُ السَّلف: لو أُخرِجَ أهلُ النار منها إلى نار الدنيا لقالُوا فيها ألفَيْ عام. يعني أنهم كانوا ينامون فيها ويرونها بَرْدًا. كان عمرُ يقول: أكثِروا ذِكْرَ النَّار؛ فإنَّ حرَّها شديد، وإنَّ قعرها بعيد، وإنَّ مقامِعَها (١) حديد. كان ابنُ عمر وغيرُه من السَّلف إذا شرِبوا ماءً باردًا بَكوا وذكروا أمنيَّةَ أهلِ النار وأنَّهم يشتَهون الماء البارِدَ، وقد حيلَ بينهم وبين ما يشتهون، ويقولون لأهل الجنة: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (٢)، فيقولون لهم: إنَّ الله قد حرمهما على الكافرين. والمصيبة العُظْمَى حين تطبُقُ النَّارُ على أهلها، وييأسون من الفَرَج، وهو الفزع الأكبر الذي يأمنه أهلُ الجنة {الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (٣).

لو أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ أَهْلَ الشَّقَا … سِيقوا إلى النَّار وقَدْ أُحْرِقُوا

شرابُهُمُ المُهْلُ في قَعْرِها … إذ خالَفُوا الرُّسْلَ وما صَدَّقُوا

تقولُ أخراهُمْ لأولاهُمُ … في لُجج المُهْلِ وقد أُغْرِقوا

قد كُنْتُمُ خُوِّفْتُمُ حَرَّها … لكن مِن النِّيران لم تَفْرُقُوا

وَجِيء بالنِّيران مَذْمُومَةً … شَرَارُها مِنْ حَوْلها مُحْدِقُ

وقيلَ للنِّيران أَنْ أَحْرِقي … وقيلَ للخُزَّان أن أَطْبقُوا

* * *

[المجلس الثالث في ذكر فصل الشتاء]

خرَّج الإمام أحمد (٤) من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الشتاء رَبيعُ المؤمن". وخرَّجه البيهقي (٥) وغيرُه، وزاد فيه "طال ليلُه فقامَه، وقصُرَ نهارُه فصامَه". إنَّما كان الشتاء ربيعُ المؤمن لأنَّه يرتَعُ فيه في بساتينِ


(١) المِقْمَعَةُ: واحدة المقامع، وهي سياط تعمل من حديد رؤوسها مُعْوَجَّة. (النهاية ٤/ ١٠٩).
(٢) سورة الأعراف الآية ٥٠.
(٣) سورة الأنبياء الآية ١٠١.
(٤) رواه أحمد في "المسند" ٣/ ٧٥، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، ٣/ ٢٠٠، وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناده حسن".
(٥) رواه البيهقي في "السنن" ٤/ ٢٩٧، وأورده الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" برقم (٣٤٢٩).

<<  <   >  >>