للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجُودِ والكرمِ، وربَّما استحيا الكريمُ مِن رَدِّ مَن تطفَّلَ على سِمَاطِ (١) كَرَمِهِ.

إنْ كنْتُ لا أَصْلُحُ للقُرْبِ … فشأنُكُم صَفْحٌ عن الذَّنْبِ

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو لَمْ تُذْنِبُوا لجَاءَ الله بِخَلْقٍ جديدٍ حتى يُذْنِبُوا فيغفِر لهم" (٢).

وخرَّجه مسلمٌ مِن وجه آخر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لو لم تُذْنِبُوا لَذَهَبَ الله بكم ثم جَاءَ بقومٍ يُذْنِبونَ ثم يَستغفِرُون فيُغفَرُ لهم" (٣). ومن حديثِ أبي أيُّوب، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لولا أنَّكُم تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ، ثم يغفِرُ لهم" (٤). وفي رواية له أيضًا: "لو لم يكُنْ لَكُم ذنوبٌ يغفِرُها اللهُ لجاءَ الله بقَوْمٍ لهم ذُنوبٌ، فيغفِر لهم" (٥).

والمرادُ بهذا أن للهِ تعالى حكمةً في إلقاءِ الغَفْلةِ على قلوبِ عبادِه أحيانًا، حتى يَقَعَ منهم بعضُ الذُّنوبِ، فإنَّه لو استمرَّتْ لهمُ اليَقَظةُ التي يكونون عليها في حال سماعِ الذِّكْرِ، لما وقَعَ منهم ذنبٌ. وفي إيقاعِهم في الذُّنوبِ أحيانًا فائدتان عظيمتان:

إحداهما: اعترافُ (٦) المذنبين بذنوبهم وتقصِيرِهم في حقِّ مولاهم، وتنكيسُ رؤوسِ عُجْبِهم، وهذا أحبُّ إلى الله من فعلِ كثيرٍ من الطاعاتِ، فإنَّ دَوامَ الطاعاتِ قد تُوجب لصاحبها العُجْبَ. وفي الحديثِ: "لو لم تُذْنِبوا لخَشِيتُ عليكم ما هُوَ أشدُّ من ذلك؛ العُجْب" (٧). قال الحسن: لو أن ابنَ آدم كلَّما قال أصاب، وكلما عَمِلَ


(١) السِّماط: ما يُمَدُّ ليوضَعَ عليه الطعام في المآدب ونحوها.
(٢) رواه أحمد في "المسند" ١/ ٢٨٩ من حديث عبد الله بن عبَّاس، وإسناده ضعيف، ولكن يشهد له الحديث الذي بعده.
(٣) رواه مسلم رقم (٢٧٤٩) في التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبةً. ورواه أيضًا أحمد في "المسند" ٢/ ٣٠٩.
(٤) رواه الترمذي رقم (٣٥٣٩) في الدعوات، باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، وإسناده ضعيف، فيه محمد بن قيس قاصّ عمر بن عبد العزيز، حديثه عن الصحابة مرسل، ولكن يشهد له الحديث الذي قبله عند مسلم.
(٥) هي عند أحمد في "المسند" ٥/ ٤١٤ وإسنادها ضعيف، فيها محمد بن قيس قاصّ عمر بن عبد العزيز، حديثه عن الصحابة مرسل، ولكن يشهد لها حديث مسلم المتقدم.
(٦) في آ: "إغراق"، وهو تحريف.
(٧) رواه البيهقي في "شعب الإِيمان"، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"، والحاكم في تاريخه، وأبو نعيم في "الحلية" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ورواه الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <   >  >>