للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكَرَ بعضُهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حاصَرَ الطائفَ في شوَّال، فلمَّا دخَلَ ذو القعدة لم يُقاتِلْ، بل صابَرَهُم، ثم رجعَ. وكذلك في عمرة الحُديبية لم يُقاتل حتَّى بلغه أن عثمانَ قُتِلَ، فبايَعَ على القتال، ثم لمَّا بلَغَه أن ذلك لا حقيقةَ له كَفّ. واستدل الجمهور بأن الصحابةَ اشتغلُوا بعدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بفتحِ البلادِ ومواصلة القتالِ والجهادِ، ولم يُنقَل عن أحدٍ منهم أنه توقف عن القتالِ وهو طالبٌ له في شيءٍ من الأشهرِ الحُرُمِ، وهذا يدُل على اجتماعهم (١) على نسخِ ذلك، والله أعلم.

ومِن عجائبِ الأشهرِ الحُرُم ما رُوِي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنه ذكَرَ عجائبَ الدنيا، فعَدَّ منها بأرضِ عَاد عمودَ نُحاس، عليه شجرةٌ من نحاس، فإذا كان في الأشهرِ الحُرُم قَطَرَ منها (٢) الماء، فملؤوا منه حياضَهم، وسَقوا مواشيَهم وزروعَهم، فإذا ذهب الأشهرُ الحُرُمُ انقطَعَ الماءُ. وقوله "ورَجَبُ مُضَر سُمِّيَ رجبٌ رجبًا؛ لأنَّه كان يُرجَّبُ، أي يُعظَّمُ، كذا قال الأصمعيّ، والمفضَّل، والفرَّاء. وقيل: لأنَّ الملائكةَ تترجَّب للتسبيحِ والتحميدِ فيه، وفي ذلك حديثٌ [مرفوعٌ إلا أنه] (٣) موضوع. وأما إضافتُه إلى "مُضَرَ فقيل: لأن مُضَرَ كانت تزيدُ في تعظيمِه واحترامِه، فنُسِبَ إليهم لذلك. وقيل: بل كانت ربيعةُ تُحرمُ رَمَضانَ، وتُحَرمُ مُضَرُ رَجَبًا، فلذلك مسمَّاه رَجَبَ مُضَرَ، وحقَّقَ ذلك بقوله "الذي بين جُمادَى وشعبان".

وذكر بعضُهم أن لشهرِ رجبٍ أربعةَ عشَرَ اسما: شهرُ اللهِ، ورجَبٌ، ورجَبُ مُضَرَ، ومُنْصِلُ (٤) الأسِنةِ، والأصَمُّ (٥)، والأصبُّ، ومُنَفِسٌ، ومُطَهِّرٌ، ومُعَلَّى، ومقيمٌ (٦)، وهَرِمٌ، ومُقشقِشٌ، ومُبرّئ، وفَرْدٌ. وذكر غيرُه أن له سبعةَ عشرَ اسمًا، فزاذ "رجم" بالميم، ومُنْصِل الألَّة، وهي الحربة، ومنزِعُ الأسِنَّةِ. ويتعلَّقُ بشهر رجبَ أحكام


(١) في ب، ع، ط: "إجماعهم".
(٢) في آ: "منه".
(٣) ما بين قوسين سقط من (آ).
(٤) مُنْصِل الأسنّة: أي مخرج الأسنة من أماكنها، كانوا إذا دخل رجب نزعوا أسنة الرماح ونصال السهام، إبطالًا للقتال فيه وقطعًا لأسباب الفتن؛ لحرمته، فلما كان سببًا لذلك سمِّي به. (اللسان: نصل).
(٥) الأصمُّ: رجب، لعدم سماع السلاح فيه، وكان أهل الجاهلية يُسمُّون رَجَبًا شهرَ الله الأصمّ؛ قال الخليل: إنما سمي بذلك لأنَّه كان لا يُسمَع فيه صوت مستغيث ولا حركة قتالٍ ولا قعقعة سلاح؛ لأنَّه من الأشهر الحرم. ووصف بالأصمّ مجازًا، والمراد به الإنسان الذي يدخل فيه. وفى الحديث: "شهر الله الأصمُّ رَجَب". (اللسان: صمم).
(٦) في آ: "ومتيِّم"، وفي حاشية ط: "وفي نسخة سقيم".

<<  <   >  >>