للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المجلس الرابع في ذِكر ختام العام

خرَّج الإِمام أحمد (١) من حديث جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا تتمنَّوا (٢) الموت؛ فإنَّ هَوْلَ المطّلع شَدِيد، وإنَّ من السَّعادة أن يَطُولَ عُمُرُ العَبْدِ ويرزُقَه اللهُ الإِنابة". تمني الموت (٣) يقع على وجوهٍ:

منها: تمنيه لضُرٍّ دنيوي ينزل بالعبد، فيُنهَى حينئذ عن تمني الموت.

وفي "الصحيحين" (٤): عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا يتَمنَّيَنَّ أحدُكُم الموتَ لِضُرٍّ نَزَلَ به، فإنْ كان لا بُدَّ فاعلًا، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ، أَحْيِني ما كانَتِ الحياةُ خَيْرًا لي، وتوفَّنِي إذا كان الوفاةُ خَيْرًا لي". ووجه كراهته في هذه الحال أنَّ المتمني للموت لِضُرٍّ نزل به، إنَّما يتمنَّاه تعجيلًا للاستراحة من ضُرِّه، وهو لا يدري إلى ما يصير بعدَ الموت، فلعله يصير إلى ضُرٍّ أعظَمَ من ضُرِّه، فيكون كالمستجير من الرَّمضاء بالنار. وفي الحديث: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إنَّما يستريحُ مَن غُفِر له" (٥). فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت إلا أن يشترط أن يكونَ خيرًا له عندالله عزَّ وجلَّ، وكذلك كُلُّ ما لا يعلم العبدُ فيه الخيرةَ له، كالغنى والفقر وغيرهما، كما يُشرَع له استخارة الله تعالى فيما يريدُ أن يعمله مما لايعلم وجه الخيرة فيه، وإنما يُسأل الله عزَّ وجلَّ على وجه الجزم والقطع مما يُعلَم أنَّه خيرٌ محضٌ، كالمغفرة والرَّحمة والعفو والعافية والتُّقى والهُدَى ونحو ذلك.


(١) مسند أحمد ٣/ ٣٣٢، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ٢٠٣ و ٣٣٤ وقال: "رواه أحمد والبزار وإسنادهما جيد". ورواه المنذري في "الترغيب" ٤/ ٢٥٧ وقال: "رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي".
(٢) في المسند: "لا تمنوا".
(٣) في ب، ط: "فتمني الموت".
(٤) أخرجه البخاري رقم (٥٦٧١) في المرضى: باب تمني المريض الموت، وفي الدعوات: باب الدعاء بالموت والحياة. ومسلم رقم (٢٦٨٠) في الذكر والدعاء: باب كراهة تمني الموت. والترمذي رقم (٩٧١)، وأبو داود رقم (٣١٠٨) و (٣١٠٩)، والنسائي ٤/ ٣.
(٥) مسند أحمد ٦/ ٦٩، ١٠٢ عن عائشة رضي الله عنها، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٢/ ٣٣٠ وقال: "رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام". وقال: "وعنها: توفيت امرأة كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحكون منها ويمازحونها، فقلت: استراحت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما يستريح من غفر له. رواه البزار ورجاله ثقات".

<<  <   >  >>