للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المجلس الثالث

فيما يقوم مقام الحجّ والعمرة عند العجز عنهما

يُذْكَر بعد خروج الحاج

في "صحيح البخاري" (١) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء الفقراء إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: "ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ من الأموال بالدَّرَجَاتِ العُلَى والنَّعيم المُقيم، يُصَلُّون كما نُصَلِّي، ويصُومُون كما نصوم، ولهم (٢) فَضْلٌ من أموالٍ يَحُجُّون بها وَيَعتمِرون، ويجاهِدُون، ويَتَصَدَّقون. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أحدِّثُكم بما (٣) إِنْ أخذتم به لَحِقْتُمْ مَن سَبَقَكُم ولم "يُدْرِكْكُم أحَدٌ بعدَكُم، وكنْتُم خَيْرَ مَن أنتُم بينَ ظَهْرانَيْهِ؛ إِلَّا مَن عَمِلَ مِثْلَه: تُسبِّحون وتَحْمَدُون وتُكَبِّرون خَلْفَ كُلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين". وفي المسند (٤) وسنن النسائي عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه، قال: قلنا: يا رسولَ اللهِ، ذهَبَ الأغنياء: بالأجْر، يحجُّون ولا نحجُّ، ويجاهِدُون ولا نُجاهِد، وبكذا وبكذا. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألَا أَدلُّكُم على شيءٍ إِن أخذْتُم به جئتُم من أفْضَلِ ما يجيء به أحد منهم: أن تكبِّروا الله أربعًا وثلاثين، وتسبِّحوه ثلاثًا وثلاثين، وتَحْمَدُوه ثلاثًا وثلاثين في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ".

المالُ لمن استعانَ به على طاعة الله وأنفقه في سُبُلِ (٥) الخيرات المقرِّبة إِلى الله، سببٌ موصِلٌ له إِلى الله، وهو لمن أنفَقَه في معاصي الله، واستعانَ به على نيل أغراضه المحرَّمة، أو اشتغل به عن طاعة الله، سببٌ قاطع له عن الله، كما قال أبو سليمان الدَّاراني: الدنيا حجابٌ عن الله لأعدائه، ومطيةٌ موصِلةٌ إِليه لأوليائه، فسبحان مَن جعل شيئًا واحدًا سببًا (٦) للاتصال به والانقطاع عنه. وقد مَدَحَ الله في


(١) أخرجه البخاري ٢/ ٣٢٥ رقم (٨٤٣) في الأذان: باب الذِّكر بعد الصلاة، وبنحوه فى مسلم رقم (٥٩٥) في المساجد: باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته. وللحديث روايات متعددة فى البخاري ومسلم والموطأ وأبي داود، انظرها في "جامع الأصول" ٤/ ٢١٨ - ٢٢١.
(٢) فى ط، ش، ع: "فضلُ أموالٍ"، وفي آ: "ولهم فضول من أموالهم".
(٣) فى الفتح: "بأمر إِن … ".
(٤) مسند أحمد ٦/ ٤٤٦.
(٥) فى آ، ش، ع: "سبيل".
(٦) لفظ "سبباً" لم يرد فى ب، ط.

<<  <   >  >>