للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأسيافهم. قال: ويحَكَ يا مَسْلَمةُ، حُمِّلْتُ ما لا أُطيقُ، وجعَلَ يُرَدِّدُها، ومَسْلمَةُ يناشِدُه حتَّى سَكَنَ.

بنى (١) بعض ملوك العرب الخَوَرْنَقَ (٢) والسَّديرَ، فنظر إلى ملْكِهِ يومًا فقال: هل علمتم أحدًا أُوتي مثلَ ما أُوتيتُ؟ فقالوا (٣): لا، ورجلٌ منهم ساكتٌ، فقال: أيُّها الملك، إنْ أذنت لي تكلَّمْتُ، فقال (٤): تكلَّمْ، قال: أرأيتَ ما جمعْتَ، أشيءٌ هو لكَ لم يزُل ولا يَزولُ، أم هو شيء كان لمن قبلك وزَالَ عنه، وصار إليك، وكذلك يزولُ عنك؟ قال: بل كان لمن قبلي، وصار إليَّ، ويزولُ عنِّي. قال: فسررْتَ بشيءٍ تزولُ عنك لذَّتُه وتبقى تبِعتُه عليك، تكونُ فيه قليلًا وتُرْتَهَنُ به طويلًا. فبكى وقال: أين المَهْربُ؟ قال: إما أن تقيم وتعملَ بطاعة ربِّك، وإما أن تنخلعَ من مُلْكِك وتقيمَ وحدَك وتعبدَ ربَّكَ حتى يأتيك أجلُك، قال: فإذا فعلتُ ذلك فما لي؟ قال: حياة لا تموت، وشبابٌ لا يهرَمُ، وصحةٌ لا تسقمُ، وملك جديدٌ لا يَبْلَى. فقال: فأيُّ خيرٍ فيما يفنَى (٥)، واللهِ لأطلبنَّ عيشًا لا يزول أبدًا، فانخلَعَ من ملكه، وسار في الأرض. وفيه يقول عدِيُّ بن زيد أبياتَه المشهورة السائرة (٦):

أيُّها الشَّامِتُ المُعَيّرُ (٧) بالدَّهْـ … ـرِ أأنْتَ المُبَرَّأُ المَوْفُورُ

أَمْ لَدَيْكَ العَهْدُ الوَثِيقُ مِنَ … الأَيَّامِ بَلْ أَنْتَ جاهِلٌ مَغْرُورُ

مَنْ رأيْتَ المَنُونَ أَخْلَدْنَ (٨) أَمْ مَنْ … ذا عليهِ مِنْ أن يُضَامَ خَفِيرُ

أينَ كِسْرَى، كِسْرَى المُلُوكِ أنو شِرْ … وانَ (٩) أَمْ أَيْنَ قَبْلَهُ سَابُورُ


(١) من هنا وحتى آخر أبيات عدي بن زيد ساقط في نسخة ب والمطبوع، وأثبته من آ، ع، ش. والخبر مع شيء من الاختلاف ورد في كتاب "الأغاني" دار الكتب (٢/ ١٣٧).
(٢) الخَوَرْنَقُ والسَّدير: اسمان لقصرين، قيل: بناهما النعمان الأكبر الذي يقال له الأعور، وهو الذي لبس المسوح وساح في الأرض.
(٣) في ع، ش: "قالوا"، بغير فاء.
(٤) في ع، ش: "قال".
(٥) في ع: "بقي".
(٦) الأبيات في ديوان عدي بن زيد العبادي ٤٨ - ٥٠ من قصيدة طويلة بلغت خمسين بيتًا، والشعر والشعراء ص ٢٢٥، والأغاني ٢/ ١٣٨، وحماسة البحتري ٨٦، ومعاهد التنصيص ١/ ٣١٥، وانظر الأبيات والمناسبة في كتاب التوابين للمقدسي ص ٣٩ - ٤٢.
(٧) في الأصول: "المُغْتَرُّ"، وأثبت ما جاء في الديوان والشعر والشعراء وغيرهما.
(٨) في المصادر والديوان "خَلَّدْن". والمنون: الموت، وقيل: الدهر.
(٩) ويروى: "أبو ساسان". وهم جميعًا من ملوك الفرس.

<<  <   >  >>