للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجاهل فيأخذ العِنَبَ فيجعلُه خمرًا فيغطِّي به العَقْلَ الذي ينبغي أن يُستعمَلَ في الفكر (١) والشُّكر، حتى ينسَى خالِقَهُ المنعِمَ عليه بهذه النِّعم كلِّها، فلا يستطيع بعد السُّكْر أن يذكره ولا يشكره، بل ينسى مَن خلَقه ورَزَقه، فلا يعرِفُه في سُكْره بالكُلِّيَّة، وهذه نهاية كُفْران النِّعم (٢).

فواعجبًا كيف يُعصَى الإِلهُ … أَمْ كَيْفَ يجحَدُهُ الجاحِدُ

وللُه في كُلِّ تحريكةٍ … وتسكينةٍ أبدًا شاهِدُ (٣)

وفي كُلِّ شيءٍ لَهُ آيةٌ … تَدُلُّ على أنَّهُ واحِدُ

ومن وجوه الاعتبار في النَّظر إلى الأرض التي أحياها الله بعدَ مَوْتها في فصل الربيع بما ساق إليها من قطر السماء، أنه يُرجَى من كَرَمِه أن يحيى القلوبَ الميّتة بالذنوب وطول الغَفْلة، بسماع الذِّكر النازل من السماء، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} إلى قوله: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (٤)، ففيه إشارة إلى أنَّ مَن قَدَرَ على إحياء الأرض بعد مَوْتها بوابل القَطْر، فهو قادر على إحياء القلوب الميتة القاسية بالذِّكر. عسى (٥) لمحة من لمحات عطفه، ونفحة من نفحات لطفه، وقد صَلَحَ من القلوب كل ما فسد، [فهو اللطيف الكريم] (٦).

عَسَى فَرَجٌ يأتي بهِ اللهُ إنَّه … لَهُ كُلَّ يومٍ في خليقته أَمْرُ

إذا اشْتَدَّ عُسْرٌ فارْجُ يُسرًا فإنَّه … قَضَى الله أنَّ العُسْرَ يتبعه اليُسْرُ (٧)

عسى مَن أحيا الأرض الميتة بالقطر أن يُحيي القلوب الميتة بالذِّكر. عسى نفحةٌ من نَفَحاتِ رحمته تهب؛ فمن أصابته سعِدَ سعادةً لا يشقى بعدَها أبدًا.


(١) في ش، ع: "التفكر".
(٢) بعدها في ش، ع: "الوقوع في هذه البلية".
(٣) في آ، ش، ع: "وفي كل تسكينةٍ شاهد".
(٤) سورة الحديد الآية ١٦ و ١٧.
(٥) لفظ "عسى" لم يرد في آ، ش، ع.
(٦) زيادة من ش، ع.
(٧) في ب، ط: "يسر"، ولم يرد البيت الثاني في نسخة (آ). وهما في كتاب "الفرج بعد الشدة" لابن أبي الدنيا بتحقيقنا، الفقر ٨١ و ١٠٠ و ١١٤، وكذلك في "الفرج بعد الشدة" للتنوخي ٤/ ١١٤.

<<  <   >  >>