للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى أقرُّوا بالعَجزِ عن علمه، وأقرُّوا له بالفضلِ، وأسْكِنَ هو وزوجتُه الجنةَ، ظَهَرَ الحسَدُ من إبليسَ وسَعَى في الأذى، وما زالتِ الفضائلُ إذا ظهرَتْ تُحْسَدُ، كما قيل:

لا ماتَ حُسَّادُكَ بَلْ خُلِّدُوا … حتى يَروْا منكَ الذي يُكْمِدُ

لا زلْتَ محسُودًا على نِعْمةٍ … فإنَّما الكاملُ مَن يُحْسَدُ

فما زالَ يحتالُ على آدمَ حتى تسبَّب في إخراجه من الجنةِ، وما فهِمَ الأبلَهُ أن آدمَ إذا خرجَ منها كَمُلَتْ فضائلُه، ثم عاد إلى الجنَّةِ على أكملِ مِن حالِه الأوَّلِ. إنما أهلَكَ إبليسَ العُجْبُ بنفسِه، ولذلك قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} (١). وإنما كَمُلَتْ فضائلُ آدم باعترافهِ على نفسه {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} (٢). كان إبليس كلَّما أوقَدَ نار الحسدِ لآدم فاح بها ريحُ طِيبِ آدم واحترَقَ إبليسُ.

وإذا أراد الله نشْر فضيلةٍ … طُوِيتْ أتاحَ لها لسان حَسُود

لولا اشْتعالُ النَّارِ فيما جَاوَزتْ … ما كان يُعْرَفُ طيبُ عَرْفِ العُودِ (٣)

قال بعضُ السَّلفِ: آدمُ أُخرِج من الجنةِ بذنْبٍ واحدٍ، وأنتُم تعملُون الذنوب وتُكثِرون منها، وتُرِيدون أن تدخلوا بها الجنة! [كما قيل] (٤):

تَصِلُ الذنوت إلى الذنوب وتَرْتَجي … درجُ الجنان بها وفوز العابِد

ونسِيت أن الله أخرجَ آدمًا … منها إلى الدُّنيا بذنْبٍ واحد

[وقال:

بِفرْدِ خطيئةٍ وبفرْدِ ذَنْبٍ … من الجنَّاتِ (٥) أُخْرِجَتِ البَرايا

فقلْ لي كيف ترجو في دخولٍ … إليها بالألوف من الخطايا] (٦)


(١) سورة الأعراف الآية ١٢.
(٢) سورة الأعراف الآية ٢٣.
(٣) في آ، ب، ع: "فيما حاولت".
والبيتان لأبي تمام في ديوانه بشرح التبريزي ١/ ٣٩٧ من قصيدة يمدح بها أحمد بن أبي دواد، ومطلعها:
أرأيت أي سَوَالفٍ وخدُودِ … عَنَّتْ لنا بين اللوى فَزرود
(٤) زيادة من (أ).
(٥) في الأصل: "الجنان".
(٦) زيادة من (آ).

<<  <   >  >>