للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعاهِدُ، فهتفَ بي هاتفٌ من ناحيةِ البيت: قد أقلْنَاكَ مرارًا فوجدناك كَذَّابًا، ثم مات عن قريبٍ.

لا كان من ينقُضُ العَهْدَ لا كانْ (١) … ما ينقض العَهْدَ إلا كل خوَّانْ

[غيره] (٢):

تُرَى الحيّ الأُلى بانُوا … على العَهْدِ كما كَانُوا

أم الدَّهْرُ بهم خَانا … ودَهرُ المَرْءِ خَوَّانُ

إذا عَزَّ بغيرِ الله … يومًا مَعْشَر هانُوا

مَنْ رَجَعَ مِن الحج فلْيُحافِظْ على ما عاهَدَ اللّهَ عليه عندَ استلامِ الحَجَر. حجَّ بعضُ من تقدَّمَ فباتَ بمكةَ مع قوم، فدعتْهُ نفسُه إلى معصيةٍ، فسمعَ هاتفًا يقولُ: ويلك! ألم تحجَّ؟ فعصَمَهُ الله من ذلك. قبيحٌ بمن كمَّلَ القيامَ بمباني الإسلام الخَمْسِ (٣) أن يشرَعَ في نَقْضِ ما بَنَى بالمعاصِي. في حديثٍ مرسَل خرَّجه ابنُ أبي الدنيا أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "يا فلَان! إنَّكَ تبني وتهدِمُ"، يعني تعمَلُ الحسناتِ والسيئاتِ. فقال: يا رسولَ الله، سوف أبني ولا أهدِمُ.

خُذْ في جِدٍّ فقد تَوَلَّى العُمرُ … كَمْ ذا التَّفْرِيطُ قد تَدَانَى الأمرُ

أَقْبِلْ فَعَسَى يُقْبَلُ مِنْكَ العُذرُ … كَمْ تبنِي كم تَنْقُضُ كم ذا الغَدْرُ

علامةُ قَبُولِ الطَّاعةِ أن تُوصَلَ بطاعةٍ بعدَها، وعلامَةُ ردِّها أن تُوصَلَ بمعصيةٍ. ما أحسن الحسنةَ بعد الحسنَةِ، وأقبَحَ السيئةَ بعدَ الحَسَنةِ (٤)!! ذنبٌ بعدَ التوبةِ أقبَحُ مِن سبعين قبلَها. النَّكْسَةُ أصعَبُ من المرضِ الأوَّلِ. ما أوحشَ ذُلَّ المعصيةِ بعدَ عِزِّ الطاعة! ارْحَمُوا عزيزَ قومٍ بالمعاصِي ذلَّ، وغنِيَّ قومٍ بالذُّنوبِ افتَقَرَ. سَلُوا الله الثباتَ


(١) في ب، ط: "لا كان من نقض العهد مَن كان". وأدرج البيت في المطبوع على أنه من الكلام المنثور.
(٢) زيادة من نسخة (ع).
(٣) في الحديث الصحيح: "بني الإسلام على خمس؛ شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاء الزكاة، وحجِّ البيت، وصوم رمضان".
(٤) في آ: "السيئة بعد السيئة".

<<  <   >  >>