للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (١).

ومَعْلُومٌ أنَّه لم يُبْعَثْ في (٢) مكَّةَ رسولٌ منهم (٣) بهذه الصفةِ غيرُ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وهو مِن وَلَدِ إسماعيلَ، كما أن أنبياءَ بنِي إسرائيلَ مِن وَلَدِ إسحاق. وذكر الله تعالى أنَّه مَنَّ على المؤمنينَ بهذه الرِّسالةِ، فليس للهِ نِعمَةٌ أعظم مِن إرسال محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يَهْدِي إلى الحقِّ وإلى صراطٍ (٤) مستقيمٍ.

وقوله: {فِي الْأُمِّيِّينَ} - والمرادُ بهم العَرَبُ - تنبيهٌ لهم على قَدْرِ هذه النِّعمةِ وعِظَمِها، حيثُ كانوا أمِّيِّينَ لا كِتابَ لهم، وليسَ عندَهم شيء من آثارِ النُّبوَّاتِ، كما كان عندَ أهلِ الكتاب، فمنَّ الله عليهم بهذا الرسولِ وبهذا الكتاب، حتى صاروا أفْضَلَ الأمم وأعلَمَهمَ، وعَرَفُوا ضلالَةَ مَنْ ضَلَّ من الأمم قَبلَهم. وفي كونِهِ منهم فائدتان:

إحداهما: أن هذا الرَّسُولَ كان أيضًا أميًّا كأمَّتِهِ المبعوثِ إليهم، لم يقرأْ كتابًا قَطُّ، ولم يَخُطَّهُ بيمينِهِ، كما قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} الآيات (٥)، ولا خَرَجَ عن ديارِ قَوْمِهِ فأقامَ عندَ غيرِهم حتَّى تعلَّمَ منهم شيئًا، بلْ لم يزَلْ أُمِّيًّا بين أمَّةٍ أمِّيَّةٍ، لا يكتُبُ ولا يَقرأُ حتى كَمَّلَ الأربعينَ من عُمُرِهِ، ثمَّ جاءَ بعد ذلك بهذا الكتابِ المُبين (٦)، وهذه الشريعةِ الباهِرةِ، وهذا الدِّينِ القيِّمِ، الذي اعترفَ حُذَّاقُ (٧) أهل الأرضِ ونُظَّارُهُم أنَّه لم يَقْرَعِ العالَمَ ناموسٌ (٨) أعظَمُ منه. وفي هذا بُرهانٌ ظاهِرٌ على صِدْقِهِ.


(١) سورة الجمعة، الآيات: ٢ - ٤.
(٢) في ط: "من".
(٣) في ط: "فيهم".
(٤) في ب، ع، ش، ط: "طريق".
(٥) سورة العنكبوت، الآية: ٤٨، وفيها من الآيات قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (٤٧) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}.
(٦) من المفيد أن نشير إلى أن الأمية كانت في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصية ولم تكن نقيصة كما قد يتوهم بعضهم عن جهل أو تعمد.
(٧) حَذَق فلانٌ الشيءَ: مَهَرَ فيه، فهو حاذق، وجمعه حُذَّاقٌ.
(٨) الناموس هنا: الشريعة أو القانون. والناموس أيضًا: جبريل.

<<  <   >  >>