للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورُوِي عن أبي جعفرٍ البَاقِر (١) أنَّه توقَّفَ نفي ذلك، وقال: لا يَعْلَمُ ذلكَ إلَّا الله. وإنَّما قال هذا لأنَّه لم يبلُغْهُ في ذلك ما يُعتمَدُ عليه، فوقَفَ في ذلك (٢) تورُّعًا.

وأمَّا الجمهورُ فبلَغَهم في ذلك ما قالوا بحسَبه. وقد روي عن أبي جعفرٍ أيضًا موافقَتهُمْ، وأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وُلِدَ يَوْمَ الاثنينِ، موافقةً لِما قالَهُ سائرُ العلماءِ. وحديثُ أبي قَتَادَةَ يَدُلُّ على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - وُلِد نهارًا في يوم الاثنينِ. وقد روي أنَّهُ وُلِدَ عندَ طُلُوعِ الفَجْر منه. ورَوَى أبو جعفر بن أبي شَيْبَةَ في "تاريخِهِ" (٣)، وخرَّجَهُ مِن طريقِهِ أبو نُعَيم في "الدلائلِ" (٤) بإسنَادٍ فيه ضعفٌ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: كان بِمَرِّ الظَّهرَانِ (٥) رَاهِبٌ يسمى عيصًا (٦) من أهل الشَّام، وكان يقول: يُوشِكُ أنْ يُولَدَ فيكم (٧) - يا أهلَ مكَّةَ - مولودٌ تَدِينُ له العَرَبُ، ويملِكُ العَجَمَ؛ هذا زمانُهُ. فكان لا يُولَدُ بِمَكَّةَ مولودٌ إلَّا سألَ عنه.

فلمَّا كان صَبيحةَ اليومِ الَّذي وُلِدَ فيه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عبدُ اللهِ بن عبد المطلب حتَّى أَتَى عيصًا [فَوَقَفَ في أصْلِ صَوْمَعَتِه، ثُمَّ نادى: يا عَيْصَاه"]، فنادَاهُ: [مَنْ هَذا؟ فقال: أنا عَبْدُ اللهِ]، فأشرَفَ عليه، فقال له عيصٌ: كُنْ أباهُ، فقَدْ وُلِدَ ذلك المولودُ الذي كُنْتُ أحدِّثُكُم عنه يومَ الاثنين، ويُبْعَثُ يومَ الاثنين، ويموت يومَ الاثنين. قال: إنَّهُ وُلِدَ لِي مع الصُّبحِ مَوْلُودٌ، قال: فما سمَّيتَهُ؟ قال: محمَّدًا، قال: واللهِ، لَقَدْ كُنْتُ أشتهِي أن يكونَ هذا المولودُ فِيكم أَهْلَ البيتِ، لِثلاثِ خصالٍ بها نعرِفُهُ، فَقَدْ أَتَى (٨) عليهن؛ منها: أنَّهُ طَلَعَ نجمُهُ البارِحَةَ، وأنَّهُ وُلِدَ اليومَ، وأنَّ اسْمَهُ محمَّدٌ.


(١) هو محمد بن علي زين العابدين بن الحسين بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، خامس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، كان ناسكًا، عابدًا، له في العلم وتفسير القرآن آراء وأقوال، ولد بالمدينة سنة ٥٧ هـ، وتوفي بالحميمة سنة ١١٤ هـ، ودفن بالمدينة. (سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٠١ - ٤٠٩).
(٢) قوله: "في ذلك" سقط من ب، ش، ط.
(٣) وهو مخطوط لم يطبع بعد فيما نعلم.
(٤) لم أجده في "دلائل النبوة" لأبي نعيم المطبوع، الذي هو مختصر لدلائله الكبير، وهو مخطوط لم يطبع بعد. أقول: وفي الخبر ضعف كما ذكر المؤلف، رحمه الله.
(٥) مَرُّ الظَّهْرَان: موضع على مرحلة من مكة. (ياقوت).
(٦) انظر أخباره في "البداية والنهاية" لابن كثير ٢/ ٢٧٢، وفي ب: "عِيصَى" بغير صرف.
(٧) في آ: "منكم".
(٨) أتى عليهن: "أنفدهن".

<<  <   >  >>