للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فديناكَ بآبائِنا وأمَّهاتنا، [قال: فعجِبْنا، وقال النَّاسُ: انظُروا إلى هذا الشيخِ! يُخبِرُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن عبدٍ خيَّرَهُ الله بينَ أنْ يؤتيَهُ بن زَهْرَةِ الدُّنيا ما شَاءَ، وبينَ ما عندَ اللهِ، وهو يقول: فديناكَ بآبائنا وأُمَّهَاتِنا] (١).

قال: فكان رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هو المخيَّرُ، وكان أبو بكرٍ هو أعلمنا بهِ. فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ مِن أمنِّ النَّاسِ عليَّ في صُحبتِهِ ومالِهِ أبوبكرٍ، ولو كُنْتُ متَّخِذًا مِن أهلِ الأَرْض خليلًا لاتَّخذْتُ أبا بكرٍ خليلًا، ولكنْ أُخوَّةُ الإِسلام، لا تَبْقَى في المَسْجِدِ خوْخَةٌ إلَّا سُدَّتْ، إلَّا خَوْخَة أبي بكرٍ، رضي الله عنه" (٢).

اعلم أن (٣) الموتَ مكتوبٌ على كل حيٍّ مِن الأنبياء والرُّسلِ وغيرِهم. قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (٤). وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (٥) الآية. وقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (٦) [الآيتين] (٧)، [إلى قوله: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}] (٨).

خَلَقَ الله تعالى آدَمَ مِن تُراب الأرْضِ، ونَفَخَ فيه مِن رُوحِهِ، فكانَتْ رُوحُهُ فِي جَسَدِه وأرواحُ ذريَّتِهِ في أجسادِهِمِ في هذهِ الدَّارِ عارِيَّةً (٩)، وقضَى عليه وعَلَى ذريَّتِه أنَّه لا بُدَّ مِن (١٠) أن يَسْتَرِدَّ أرواحَهُم مِن هذه الأجْسَادِ، ويُعِيدَ أَجْسَادَهُم إلى ما خُلِقَتْ منه، وهو التُّرابُ، ووعَدَ أنْ يُعيدَ الأَجسادَ مِنَ الأرْضِ مَرَّةً ثانيةً، ثُمَّ يردَّ إليها الأرواحَ مرَّةً ثانيةً تمليكًا دائمًا لا رَجْعَةَ فيه في دارِ البَقَاءِ.


(١) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ).
(٢) رواه مسلم رقم (٢٣٨٢) في فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ والترمذي رقم (٣٦٦٠) في المناقب، باب رقم (١٥). ورواه بنحوه البخاري رقم (٣٦٥٤) في فضائل الصحابة، باب: قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "سدُّوا" الأبواب إلا باب أبي بكر".
(٣) قوله: "اعلم أن" لم يرد في (ب، ش، ع، ط).
(٤) سورة الزمر، الآية ٣٠.
(٥) سورة الأنبياء، الآيتان ٣٤، ٣٥.
(٦) سورة آل عمران. الآية ١٤٤.
(٧) زيادة من ب، ش، ع.
(٨) زيادة من نسخة (آ).
(٩) العاريَّة: العارَةُ، وهو ما تعطيه لغيرك على أن يعيده إليك. وأعاره الشيء إعارة وعارَةً: أعطاه إيَّاه عارِيَّةً.
(١٠) لفظ: "من" لم يرد في (آ، ع).

<<  <   >  >>