للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّبيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصَّالِحينَ وَحَسُنَ أولئِكَ رَفيقًا} (١). قالت: فظَنَنْتُ أنه خُيِّرَ [حينئذٍ] (٢). وهذه الرِّواياتُ مخرَّجَةٌ في "صحيح البخاري" وغيرِه.

وقد رُوِي ما يدُلُّ على أنه قُبِضَ، ثم رأى مقعَدَه مِنَ الجَنَّةِ، ثم رُدَّتْ إليه نفسُهُ، ثمَّ خُيِّرَ. ففي "المسند" عن عائشةَ رضي الله عنها، قالَتْ: كانَ رسولُ اللُهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "ما مِن نَبِيٍّ إلَّا تُقبَضُ نفسُهُ، ثمَّ يَرَى الثوابَ، ثم تُرَدُّ إليه، فيُخيِّرُ بين أَنْ تُرَدَّ إليه إلى أن يُلْحَقَ (٣) ". فكنْتُ قد حفِظْتُ ذلكَ منه، فإنِّي لَمُسْنِدَتُه إلى صَدْرِي، فنَظَرْتُ إليهِ حتى مَالَتْ عُنُقُه (٤)، فقلْتُ: قَدْ قَضَى. قَالَتْ: فعَرَفْتُ الَّذِي قال، فنَظَرْتُ إليه حتى ارتفَعَ ونظَرَ، فقلْتُ (٥): إذًا واللهِ لا يختارُنا، فقال: "مَعَ الرفِيق الأعْلَى في الجنةِ {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عليهِم مِنَ النبِيينَ والصديقينَ والشُّهدَاءِ والصالحينَ} " (٦) إلى آخِرِ الآية (٧).

وفي "صحيح ابن حِبَّانَ" عنها، قالت: أُغْمِيَ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ورأسُهُ في حَجْرِي، فجَعَلْتُ أمسَحُهُ وأدعو له بالشِّفَاءِ؛ فلمَّا أفاقَ، قال: "لا بلْ أسألُ الله الرفِيقَ الأعْلَى، مَعَ جِبريلَ ومِيكائيلَ وإسرافيلَ" (٨). وفيه، وفي "المسند" عنها، أنَّها كانَتْ تَرْقِيه في مَرَضِهِ الذِي ماتَ فيه، فقال: "ارفَعِي يَدَكِ فإنها كانت تَنْفَعُنِي في المُدَّةِ" (٩).

قال الحسن: لَمَّا كَرِهَتِ الأنبياءُ الموتَ هَوَّنَ الله ذلك عليهم بلقاءِ الله عَزَّ وجَلَّ، وبِكُلِّ مَا أَحبُّوا مِن تُحفَةٍ أو كَرَامةٍ، حتى إن نَفْسَ أحدِهم لَتُنْزَعُ مِن بَيْنِ جَنْبَيْهِ وهو يُحِب ذلكَ، لِمَا قَدْ مُثِّلَ له. وفي "المسند" عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه لَيُهوّنُ على الموت أنِّي رأيْتُ بَياضَ كَفِّ عائشةَ في الجَنةِ" (١٠). وخرَّجَه


(١) سورة النساء، الآية ٦٩.
(٢) هي عند مسلم رقم (٢٤٤٤) (٨٦) في فضائل الصحابة، باب: فضائل عائشة، رضي الله عنها.
(٣) في ب، ط: "أو يلحق".
(٤) في آ، ش: "مالت عينه".
(٥) في ط: "فقالت".
(٦) سورة النساء، الآية ٦٩.
(٧) رواه أحمد في "المسند" ٦/ ٧٤ وهو حديث صحيح.
(٨) ذكره بنحوه الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٩/ ٣٧ من حديث أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه، وقال في آخره: رواه الطبراني، وفيه محمد بن سلام الجمحي، وهو ثقة، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.
(٩) رواه ابن حبان في "صحيحه" كما في "الإحسان" ٤/ ٢٦٩ واللفظ له، وأحمد في "المسند" ٦/ ٢٦١. وهو حديث حسن.
(١٠) رواه أحمد في "المسند" ٦/ ١٣٨، من حديث مصعب بن إسحاق بن طلحة، عن عائشة، ذكره ابن حبان، وقال: يروي المراسيل، وذكره في التابعين. أقول: فهو مرسل.

<<  <   >  >>