للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال جعفر بن محمد (١)، عن أبيه (٢): لمَّا بقِيَ مِن أجَلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثلاثٌ نَزَلَ عليه جبريلُ عليه السلام، فقال: يا أحمدُ! إنَّ الله قَدْ أَرْسَلَنِي إليكَ إكرامًا لكَ وتفضيلًا لك، وخاصة لك، يسألُكَ عمَّا هُوَ أَعْلَمُ بهِ منكَ، يقولُ لكَ (٣): كيفَ تجدُكَ؟ فقالَ: "أَجِدُنِي يا جبريلُ مَغْمُومًا، وأجِدُني يا جبريلُ مكْرُوبًا"؟ ثمَّ أتاهُ في اليوم الثاني، فقال له مثلَ ذلكَ؛ ثمَّ أتاهُ في اليوم الثالثِ، فقال له مثلَ ذلكَ، ثم استأذَن فيه مَلَكُ المَوْتِ، فقالَ جبريل: يا أحمدُ! وَهذا مَلَكُ الموتِ يستأذِنُ عليكَ، ولم يستأذِنْ على آدمِي كانَ (٤) قَبْلَكَ، ولا يستأذِنُ على آدمِي بعدَك، قال: "ائذَنْ لَهُ"، فدخَلَ مَلَكُ المَوْتِ، فوقَفَ بينَ يَدَيْهِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، يا أحمدُ! إن الله أرسلنِي إليكَ وأَمَرَنِي أنْ أُطيعَكَ في كُلِّ ما تأمرُ؛ إنْ أمَرْتَنِي أنْ أَقْبِضَ نفسَكَ قبضْتُها، وإنْ أمَرْتَنِي أَنْ أتركَها تركْتُها؟ قال: "وتفعَلُ يا ملكَ الموتِ؟ "، قال: بذلك أُمِرْتُ أن أطِيعَكَ في كُل ما تأمُرني (٥) به.

فقال جبريلُ: يا أحمدُ! إنَّ الله قد اشتَاقَ إليكَ. قال: "فأمْضِ يا ملكَ الموتِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ "، فقالَ جبريلُ عليه السلام: السلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، هذا آخِرُ مَوْطئي مِنَ الأرضِ، إنَّما كُنْتَ حاجَتِي مِن الدنيا. وجاءت التَّعزِيَةُ (٦) يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ والحسَّ ولا يَرونَ الشَّخْصَ: السلامُ عليكم يا أهْلَ البيتِ ورحمةُ اللهِ وبركاته {كل نَفْس ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ} (٧)، إن في الله عزاءً مِن كُلِّ مُصيبةٍ، وخَلَفًا مِن كُل هالِكٍ، ودَركًا (٨) مِن كُلِّ فائتٍ، فباللّه فثقوا، وإيَّاهُ فارجوا، إنَّما


(١) هو الإِمام الكبير جعفر بن محمد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو عبد الله، الملقب بجعفر الصادق، من أجلاء التابعين، وله منزلة رفيعة في العلم، أخذ عنه جماعة، منهم الإمامان أبو حنيفة ومالك، ولقب بالصادق لأنَّه لم يُعرف عنه الكذب قط، له أخبار مع الخلفاء من بني العباس، وكان جريئًا عليهم صداعًا بالحق، مات سنة (١٤٨) هـ. (سير أعلام النبلاء ٦/ ٢٥٥ - ٢٧٠).
(٢) هو محمد الباقر، محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد تقدمت ترجمته.
(٣) لفظة "لك" سقطت من (آ، ش).
(٤) لفظة: "كان" لم ترد في (آ).
(٥) في ب، ط: "ما أمرتني".
(٦) أي جاءت التعزية بصوت جبريل عليه السلام لأهل البيت.
(٧) سورة آل عمران: الآية ١٨٥.
(٨) الدَّرك: اللَّحَاقُ.

<<  <   >  >>