للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيام، قاله إياسُ بن مُعاوَية (١). وهذا العدد (٢) قريبٌ من عددِ السَّنَةِ الرُّوميَّةِ، ولهذا جاء في مراسِيل عِكْرِمَةَ بن خالد أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال في خطبته يومَ النَّحرِ (٣): "والشهرُ هكذا وهكذا وهكذا، وخَنَسَ (٤) إبهامَه في الثالثة (٥)، وهكذا وهكذا وهكذا، يعني ثلاثين (٦)، فأشارَ إلى أن الشَّهر هلالِيٌّ.

ثم تارةً ينقُصُ وتارةً يتِمُّ، ولعلَّ أهلَ النَّسِيء كانوا يُتِمُّون الشُّهور كلَّها، وَيزيدون عليها، واللّه أعلم.

وقد قيل: إن ربيعةَ ومُضَرَ كانوا يُحرِّمُون أربعةَ أشهرٍ مِنَ السنةِ مع اختلافِهِم في تعيينِ رجبٍ منها، كما سنذكرُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ تعالى. وكانت بَنُو عَوْف بن لُؤيّ يُحرِّمون مِن السَّنة ثَمانيةَ أشهرٍ، وهذا مُبالغةٌ في الزيادة على ما حرَّمه اللّه.

واخْتَلَفُوا في أيِّ عامٍ عاد الحجُّ إلى ذي الحِجَّةِ على وجهِهِ، واسْتَدَار الزَّمان فيه كهيئتِهِ؛ فقالت طائفة: إنما عادَ على وجهِهِ في حجَّةِ الوداع. وأمَّا حجَةُ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، فكانت قد وقعت في ذي القَعْدَةِ، هذا قولُ مجاهد وعِكْرِمَةَ بن خالد وغيرِهما. وقيل: إنَّه اجْتَمَعَ في ذلك العامِ حجُّ الأممِ كلِّها في وقتٍ واحدٍ، فلذاك سُمِّيَ يومَ الحجِّ الأكبرِ.

وقالت طائفة: بل وَقَعَتْ حجَّةُ الصِّدِّيق في ذي الحِجّةِ؛ قاله الإمامُ أحمد، وأنكَرَ قولَ مجاهد، واستدَلَّ بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ عليًّا فنادَى يومَ النَّحْرِ: "لا يحجُّ بعدَ العامِ مُشْرِكٌ" (٧). وفي روايةٍ: "واليومُ يومُ الحَجِّ الأكبرِ". وقد قال الله تعالى:


(١) إياس بن معاوية بن قُرَّة المزني، أبو واثلة، قاضي البصرة، ولجدِّه صحبة. أحد أعاجيب الدهر في الفطنة والذكاء، يضرب المثل بذكائه، مات سنة ١٢٢ هـ.
(٢) في آ: "القدر".
(٣) يوم النَّحر: عاشر ذي الحجة، يومُ الأضحى؛ لأن البُدْن تُنْحَرُ فيه.
(٤) في ع: "وحبس"، وهي رواية.
(٥) في صحيح مسلم: "وعقد الإبهام في الثالثة".
(٦) الحديث أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عمر، وانظر رواياته في "جامع الأصول" ٦/ ٢٧٩ - ٢٨١.
(٧) أخرجه البخاري ردم (٣٦٩) في الصلاة: باب ما يسترُ من العورة، وفي الحج: باب لا يطوف بالبيت عريان، وفي الجهاد: باب كيف ينبذ إلى أهل العهد، وفي المغازي: باب حج أبي بكر بالناس، وفي تفسير سورة براءة: باب قوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر}، وباب قوله: {وأذان من الله ورسوله}، وباب قوله: {إلا الذين عاهدتم من =

<<  <   >  >>