للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقيل: لعظمِ حُرمتِها وحُرمةِ الذَّنْبِ فيها.

قال علي بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ: اختص اللهُ أربعَةَ أشهرٍ جعلَهنَّ حُرمًا، وعظَّمَ حُرماتِهِنَّ، وجعَلَ الذَّنْبَ فيهنَّ أعظَمَ، وجعَلَ العملَ الصالحَ والأجرَ أعظَمَ. قال كعبٌ: اختارَ اللّهُ الزمانَ، فأحبُّهُ إلى اللّه الأشهر الحُرم. وقد رُوِيَ مرفوعًا، ولا يصِحُّ رفعُه. وقد قيل في قوله تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهن أَنْفُسَكمْ} (١): إن المرادَ في الأشهرِ الحُرم. وقيل: بل في جميعِ شهور السَّنةِ. وقيل: إنَّما سمِّيتْ حُرمًا لتحريم القتالِ فيها، وكان ذلك معروفًا في الجاهلية. وقيل: إنَّه كان في (٢) عهدِ إبراهيمَ عليه السلام. وقيل: إن سبَبَ تحريمِ هذه الأشهرِ الأربعة بينَ العربِ لأجل التمكُّنِ مِنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ. فحُرِّمَ شهرُ ذي الحِجَّةِ؛ لوقوع الحجّ فيه. وحُرِّمَ معه شهرُ ذي القَعْدَةِ؛ للسَّيْرِ فيه إلى الحجِّ. وشهرُ المحرَّمِ؛ للرجوعِ فيه مِن الحجّ، حتى يأمَنَ الحاجُّ على نفسِهِ مِن حين يخرجُ من بيتِه إلى أن يرجعَ إليه. وحرِّمَ شهرُ رَجَبٍ، للاعتمارِ فيه في وسطِ السنَةِ، فيعتمِر فيه مَنْ كانَ قريبًا من مَكَّةَ.

وقد شرَعَ اللّهُ في أوَّلِ الإِسلام تحريمَ القتالِ في الشهر الحرام، قال تعالى: {لا تُحِلُّوا شَعَائرَ اللّه وَلَا الشَّهْرَ الحَرَامَ} (٣). وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فيهِ قُلْ قِتَالٌ فيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عن سَبيلِ اللّهِ وكُفْرٌ بهِ والمَسْجِدِ الحَرَامِ وإخراجُ أَهْلِهِ مِنهُ أكْبَرُ عندَ اللهِ والفِتْنَةُ أكْبَرُ مِنَ القَتْلِ} (٤).

وخرَّج ابن أبي حاتم (٥) بإسنادِه عن جُنْدُبِ بن عبد الله أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَهطًا وبَعثَ عليهم عبدَ اللّهِ بنَ جَحْشٍ، فلوا ابنَ الحَضرمي فقتلُوه، ولم يَدْرُوا أنَّ ذلك مِن رجبٍ أو من جُمادَى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام، فأنزَلَ الله عزَّ وجلَّ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَال فيهِ قُلْ قِتالٌ فيهِ كَبيرٌ} (٦) الآية.


(١) سورة التوبة الآية ٣٦.
(٢) في آ، ط: "من عهد".
(٣) سورة المائدة الآية ٢.
(٤) سورة البقرة الآية ٢١٧.
(٥) أخرجه ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٥٢ عن ابن أبي حاتم، وانظر سيرة ابن هشام ١/ ٦٠١ - ٦٠٦، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٤٨ - ٥٠ وأخرجه أيضًا البيهقي في "السنن" ٩/ ١١ عن جندب، وفي ٩/ ١٢ عن عروة بن الزبير، بلفظ "بعث سرية".
(٦) سورة البقرة الآية ٢١٧.

<<  <   >  >>