للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخرَّجه النَّسَائِي وزاد فيه "وقال بعضُهم: أصومُ ولا أُفْطِرُ". وفي مسند الإمام أحمد (١)، عن رجلٍ من الصحابة، قال: ذُكِرَ لرَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مولاة لبني عبد المطلب أنها قامَتِ اللَّيلَ، وتصومُ النَّهار. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لكنِي أنا أنام وأصَلِّي، وأصومُ وأفطِرُ، فمن اقتدَى بي فهو منِّي، ومَنْ رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مِني، إن لكُل عمل شِرَّةً (٢) وفَتْرَةً، فَمَنْ كانَتْ فَتْرَتُه إلى بِدْعَةٍ فَقَدْ ضَلَّ، وَمَنْ كانَتْ فَتْرَتُه إلى سُنَّةٍ فقد اهْتَدَى.

وفي "المسند" (٣) و"سنن أبي داود" عن عائشةَ رضي اللّه عنها أنَّ عُثْمانَ بن مَظْعُونٍ أراد التبتُّلَ (٤)، فقال له رسولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم -: أترغَبُ عن سنَّتي؟ قال: لا والله، ولكنَّ سُنَّتَكَ أُريدُ. قال: فإنِّي أنامُ وأصلِّي، وأصُومُ وأفطِرُ، وأَنْكِحُ النِّساء فاتَّقِ اللّه يا عثمانُ، فإنَّ لأهلِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لضيفِكَ عليكَ حَقًا (٥)، وإنَّ لنفسِكَ عليكَ حقا، فصُمْ وأفْطِرْ، وصَل ونَمْ".

وقد قال عِكْرمَةُ وغيرُه: إن عثمانَ بن مَظْعُونٍ وعلي بنَ أبي طالبٍ والمقدادَ وسالِمًا مولى أبي حُذيفةَ في جماعةٍ تبتَّلوا فجلَسُوا في البيوتِ، واعتزلُوا النِّساءَ، وحرَّموا طيباتِ الطعامِ واللِّباسِ، إلَّا ما يأكُلُ وَيلْبَسُ أهلُ السياحَة من بني إسرائيلَ، وهمُّوا بالاخْتصاءِ، وأجمعوا لقيام اللَّيلِ وصيام النَّهارِ، فنزلت فيهم: {يا أيها الَّذينَ آمنُوا لا تحَرمُوا طَيِّباتِ ما أَحَل اللّهُ لَكُمْ ولا تَعْتَدَوا إن اللَّهَ لا يُحِب المُعْتَدِينَ} (٦).

وفي صحيح البخاري (٧) أن سلمانَ زارَ أبا الدَّرداء، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد آخى


(١) مسند أحمد ٥/ ٤٠٩، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ١٩٣ وقال: "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح".
(٢) في ط: "شدَّة". والشِّرَّة: النشاط والرَّغبة، وشِرَّة الشباب: أوله. والفترة: الانكسار. والضعف.
(٣) رواه أبو داود رقم (١٣٦٩) في أبواب قيام الليل، باب ما يؤمر به من القصد بالصلاة، ورجاله ثقات، إِلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، لكن يشهد له أحاديث صحيحة. ورواه أحمد في "مسنده" ١/ ١٧٥ مختصرًا عن سعد بن أبي وقاص، وإسناده صحيح.
(٤) التَّبتُّل: الانقطاع عن النساء وترك النكاح. (النهاية ١/ ٩٤).
(٥) قوله: "وإن لضيفك عليك حقا" لم يرد في نسخة (ش).
(٦) سورة المائدة الآية ٨٧.
(٧) أخرجه البخاري رقم (٦١٣٩) في الأدب، باب صُنع الطعام والتكلف للضيف و (١٩٦٨) في الصوم، باب من أقسم على أخيه ليُفطر في التطوع. وأخرجه الترمذي رقم (٢٤١٥) في الزهد، باب أعط كل ذي حقٍّ حقَّه. والمؤلف روى الحديث بالمعنى. والتبذُّل: ترك التزين والتَّهيُّيء بالهيئة الحسنة الجميلة. (النهاية ١/ ١١١).

<<  <   >  >>