للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يومَ الفَتْحِ وكان في رمضانَ: "إنَّ هذا يومُ قِتالٍ فأفطِرُوا" (١).

وكان عمرُ إذا بعثَ سريةً، قال لهم: لا تَصُومُوا، فإنَّ التَّقوِّي على الجِهاد أفضلُ من الصَّومِ. فأفضَلُ الصِّيام ألَّا يُضعِفَ البَدَنَ حتى يَعجِزَ عمَّا هو أفضَلُ منه؛ من القيام بحقوقِ اللهِ تعالى، أوَ حقوقِ عبادِه اللَّازمة، فإنْ أضعَفَ عن شيءٍ مِن ذلك ممَّا هو أفضَلُ منه كان تركُهُ أفضَلَ.

فالأوَّلُ: مثلُ أن يُضعِفَ الصِّيامُ عن الصَّلاةِ، أو عن الذكْرِ، أو عن (٢) العِلْمِ. كما قيلَ في النهي عن صِيامِ الجمعةِ ويومِ عرفةَ بعرفةَ: إنَّه يُضْعِفُ عن الذِّكر والدُّعاءِ في هذين اليومين. وكان ابنُ مسعود يُقِل الصَّوْمَ ويقولُ: إنَّه يمنعني مِن قراءة القرآنِ، وقراءةُ القرآنِ أحبُّ إليَّ. فقراءةُ القرآنِ أفضَلُ مِنَ الصِّيام. نصَّ عليه سفيانُ الثورِيُّ وغيرهُ من الأئمة. وكذلك تعلُّمُ العِلْم النافعِ وتعليمُهُ أَفْضَلُ مِن الصِّيام.

وقد نصَّ الأئمةُ الأربَعَةُ على أن طَلَبَ العِلْمِ أفضَلُ مِن صلاة النَّافلة، والصلاة أفضلُ من الصِّيام المتطوَّع به، فيكون العلم أفضَلَ مِن الصِّيام بطريق الأوْلَى؛ فإنَّ العِلْمَ مِصْباحٌ يُستَضَاءُ به في ظُلمةِ الجَهْلِ والهَوَى، فَمَنْ سارَ في طريقٍ على غيرِ مِصباحٍ لم يأمَنْ أن يقعَ في بئر بوارٍ فيعطبَ. قال ابنُ سيرينَ: إنَّ قومًا (٣) تركُوا العِلْمَ واتَّخذُوا محارِيبَ فصَلُّوا وصَامُوا بغيرِ علم، واللهِ ما عمِلَ أحدٌ بغيرِ عِلْم إلَّا كانَ ما يُفسِدُ أكثَرَ ممَّا يُصلِحُ.

والثاني: مثلُ (٤) أنْ يُضعِفَ الصِّيامُ عن الكَسْبِ للعيالِ أو القيامِ بحقوقِ الزوجاتِ، فيكونُ تركُه أفضَلَ. وإليه الإشارةُ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن لأهلِكَ عليكَ حقًّا".

ومنها: ما أشارَ إليه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إن لنفسِكَ عليكَ حقًّا فأعْطِ كُل ذي حَق حَقهُ" يُشير إلى أن النفسَ وديعةٌ للّهِ عندَ ابن آدَمَ، وهو مأمورٌ أن يقومَ بحقِّها؛ ومِن حَقِّها اللطْفُ بها حتى تُوصِلَ صاحبَها إلى المنزلِ.

قال الحسنُ: نفوسُكُم مطاياكم إلى رَبِّكم، فأصلِحُوا مطاياكم توصِلكُم إلى


(١) رواه ابن سعد في طبقاته ٢/ ١٤١ عن عبيد بن عمير مرسلًا.
(٢) في ش، ع: "أو العلم".
(٣) في ع: "أقوامًا".
(٤) لفظ "مثل" لم يرد في (آ).

<<  <   >  >>