للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي رواية (١) له أيضًا أنَّها قالَتْ: "لا أعلَمُ نبيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كلَّه في ليلةٍ، ولا صَامَ شهرًا كاملًا غيرَ رمضانَ". وفي روايةٍ (٢) له أيضًا، قالتْ: "ما رأيتُه قامَ ليلةً حتى الصَّباحِ، ولا صَامَ شهرًا متتابعًا إِلَّا رَمضَانَ". وفي الصحيحين (٣) عن ابن عباسٍ، قال: "ما صَامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا كاملًا غيرَ رمضانَ". وكان ابنُ عباس يكرَهُ أن يَصُومَ شهرًا كاملًا غيرَ رمضانَ.

وروى عبدُ الرزَّاق في "كتابه" (٤) عن ابن جُريج، عن عطاء، قال: "كان ابنُ عبَّاس ينهَى عن صِيامِ الشهرِ كاملًا، ويقول: لِيَصُمْهُ إِلا أيَّامًا؛ وكان ينهَى عن إفرادِ اليوم كلَّما مَرَّ بهِ، وعن صيام الأيَّام المعلومة، وكان يقول: لا تَصُمْ أيَّامًا معلومةً". فإنْ قَيلَ: فكيفَ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصُّ شعبانَ بصيام التَّطوُّعِ فيه مع أنَّه قال: أفضَلُ الصِّيامِ بعدَ شهرِ رَمضانَ شهر الله المحرم؟.

فالجوابُ: أن جماعةً مِن الناس أجابُوا عن ذلك بأجوبةٍ غيرِ قويّةٍ؛ لاعتقادِهِم أنَّ صيامَ المُحرَّم والأشهرِ الحُرم أفضَلُ مِن صيام شعبانَ، كما صرَّحَ به الشافعية وغيرهم، والأظَهَرُ خلاف ذلك، وأن صيامَ شعبانَ أفضَل مِن صيام الأشهرِ الحُرم. ويدُلُّ على ذلك ما خرَّجَه الترمذيُّ (٥) من حديث أنس: سُئلَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الصِّيَام أفضَلُ بعدَ رمضانَ؟ قال: شعبان، تعظيمًا لرمضانَ. وفي إسناده مقَالٌ.

وفي سنن ابن ماجَه (٦) أنَّ أسامَةَ كان يَصومُ الأشْهُرَ الحرُمَ، فقال له


(١) من حديث طويل جدًّا، وبروايات مختلفة اللفظ، رواه سعد بن هشام رضي اللّه عنه، وهو في مسلم رقم (٧٤٦) في صلاة المسافرين: باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض، وعند أبي داود الأرقام من (١٣٤٢) إلى (١٣٤٩) ورقم (١٣٥٢) في الصلاة، باب صلاة الليل، وعند النَّسَائِي ٣/ ١٩٩ في قيام الليل وغيره.
(٢) رقم (٧٤٦) أيضًا.
(٣) أخرجه البخاري رقم (١٩٧١) في الصوم، باب ما يذكر من صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإفطاره؛ ومسلم رقم (١١٥٧) في الصيام، باب صيام النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ والنسائي ٤/ ١٩٩ في الصوم، باب صوم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٤) المصنف ٤/ ٢٩٢ رقم (٧٨٥٥)، وفيه: "وكان يقول: لا يصم صيامًا معلومًا".
(٥) رقم (٦٦٣) في الزكاة، باب ما جاء في فضل الصدقة. وفي سنده "صدقة بن موسى" وفيه مقال، كما ذكر المؤلف رحمه الله. وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى ليس عندهم بالقوي.
(٦) رقم (١٧٤٤) في الصيام، باب صيام أشهر الحرم. وفي الزوائد إسناده صحيح، إلا أنه منقطع بين محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وبين أسامة بن زيد.

<<  <   >  >>