للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به التَّقوِّي على ما هو أفضلُ مِن الصِّيامِ؛ بن أَدَاءِ الرِّسالةِ وتبليغها، والجهادِ عليها، والقيام بحقوقِها، فكان (١) صيام يوم وفِطْر يَوْم يُضعِفُهُ عن ذلك. ولهذا لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ أبي قَتَادة عمَّن يَصُومُ يومًا ويُفطِرُ يومين، قال: "ودِدْتُ أني طُوِّقْتُ ذلك (٢).

وقد كان عبدُ الله بنُ عمرو بن العاص لمَّا كَبُرَ يسرُدُ الفِطْرَ أحيانًا ليتقوَّى بهِ على الصِّيامِ، ثمَّ يَعودُ فيصومُ ما فاتَهُ محافظةً على ما فارَقَ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن صيامِ شطرِ الدَّهرِ، فحصَلَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - أجرُ صِيام شطرِ الدَّهْرِ، وأزيدُ منه بصيامِهِ المتفرّقِ، وحصَلَ له أجرُ تتابُعِ الصِّيام بتمنِّيهِ لذلك، وإنما عاقَهُ عنه الاشتِغالُ بما هو أهمُّ منه وأفضَلُ. والله أعلم. وقد ظهرَ بما ذكرناه وجهُ صيامِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لشعبانَ دونَ غيرِهِ مِنَ الشهورِ، وفيه معانٍ أُخَر؛ وقد ذَكَرَ منها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ أسامةَ (٣) مَعنيين.

أحدهما: أنَّه شهر يغفلُ الناسُ عنه بينَ رجب ورمضانَ؛ يُشير - صلى الله عليه وسلم - إلى (٤) أنه لمَّا


(١) في آ، ع: "وكان".
(٢) قوله: "وددت أني طوِّقْت ذلك": أي ليته جُعل ذلك داخلًا في طاقتي وقدرتي. (النهاية ٧/ ١٤٤). وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، قال: إن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله، فلما رأى عمر غضبَه، قال: رَضِينا بالله ربًّا، وبالإسلام دِينًا، ولمحمد نبيًّا - وفي رواية: وبيعتنا بيعةً - نعوذ بالله من غضب الله وغَضب رسوله. فجعل عمرُ يردِّد هذا الكلام حتى سكن غضبُه، فقال عمر: يا رسولَ الله! كيف بمن يصوم الدهرَ كلَّه؟ قال: لا صامَ ولا أفطرَ - أو قال: لم يصم ولم يفطر - قال: كيف بمن يصوم يومين يفطر يومًا؟ قال: ويُطيق ذلك أحدٌ؟ قال: كيف بمن يصوم يومًا ويفطر يومًا؟ قال: ذاك صوم داود عليه السلام، قال: كيف بمن يصوم يومًا ويفطر يومين؟ قال: ودِدْت أنِّي طُوِّقت ذلك. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيامُ الدهر كلّه. صيامُ يوم عرفة: أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله، والسَّنَةَ التي بعده؛ وصيام يوم عاشوراء: أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله. أخرجه مسلم رقم (١١٦٢) في الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأبو داود رقم (٢٤٢٥) و (٢٤٢٦) في الصوم، باب في صوم الدهر تطوعًا، والنسائي ٤/ ٢٠٧ في الصوم، باب ذكر الاختلاف على غيلان بن جرير فيه، وصوم ثلثي الدهر، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك. وابن ماجه (بعضه) رقم (١٧١٣) في الصيام، باب ما جاء في صيام داود عليه السلام.
(٣) أخرجه النَّسَائِي ٤/ ٢٠١ في الصوم، باب صوم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإسناده حسن. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: "قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يَغْفُل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم".
(٤) لفظ "إلى" لم يرد في آ، ع.

<<  <   >  >>