للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختلف العلماءُ في صحةِ هذا الحديثِ، ثمَّ في العملِ بهِ؛ فأمَّا تصحيحُهُ فصحَّحَهُ غيرُ واحدٍ، منهم الترمذيُّ وابنُ حِبانَ والحاكمُ والطَّحاوِيُّ وابنُ عبدِ البر، وتكلَّمَ فيه مَنْ هو أكبرُ من هؤلاء وأعلَمُ (١)، وقالوا: هو حديثُ مُنكَرُ؛ منهم عبدُ الرحمن بنُ مَهدي، والإمامُ أحمدُ، وأَبو زرعةَ الرازيُّ، والأثرمُ. وقال الإمامُ أحمدُ: لم يَرْوِ العلاءُ حديثًا أنكرَ منه، وردَّهُ بحديثِ "لا تَقَدِّمُوا رَمضانَ بصوْمِ يوم أو يومينِ" (٢) فإنَّ مفهُومَهُ جوازُ التَّقدُّم بأكثَرَ مِن يومين. وقال الأثرمُ: الأحاديثُ كُلها تخالِفُهُ؛ يُشيرُ إلى أحاديثِ صِيام النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شعبانَ كلَّه وَوَصْلِهِ برمضانَ، ونهيهِ عن التقدُّم على رمضانَ بيومين، فصارًا لحديثُ حينئذ شاذًا مخالفًا للأحاديثِ الصَّحيحةِ. وقال الَطَّحاوِيُّ: هو منسوخٌ، وحكَى الإجماعَ على تركِ العَمَلِ بهِ. وأكثرُ العلماءِ على أنَّه لا يُعمَلُ بهِ، وقد أخذَ به آخرون؛ منهم الشافعيُّ وأصحابُه، ونَهَوْا عن ابْتِداءِ التطوُّع بالصِّيامِ بعدَ نصفِ شعبانَ لِمَنْ ليسَ لَهُ عادةٌ، ووافَقَهُم بعضُ المتأخرين مِن أصحابِنا.

ثمَّ اختلَفُوا في عِلَّةِ النَّهي؛ فمنهم مَن قال: خشيةَ أنْ يُزادَ في صيام (٣) رَمضانَ ما ليسَ منه، وهذا بعيدٌ جدًّا فيما بعدَ النِّصفِ، وإنَّما يُحتمَلُ هذا في التَّقدمِ (٤) بيومٍ أو يومين.

ومنهم من قال: النهيُ للتَّقوِّي على صِيام رَمضانَ شفقةً أن يضعفَه ذلك عن صيام رَمضانَ؛ وَرُوِي ذلك عن وكيعٍ. وَيرُدُّ هذا صيامُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شعبانَ كلَّه أو أكثرَهُ ووصْلُهُ برمضانَ.

هذا كلُّه في الصيام بعدَ نصفِ شعبانَ.


(١) لفظ "وأعلمِ" لم يرد في نسخة (آ).
(٢) رواه أبو هريرة - رضي اللّه عنه -: أن رسول الله قال: "لا يتقدَّمَنَّ أحدُكم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين، إلَّا أن يكونَ رجلًا كان يصوم صومًا فليصُمْه". أخرجه البخاري رقم (١٩١٤) في الصوم، باب لا يُتقدَّم رمضان بصوم يوم ولا يومين؛ ومسلم رقم (١٠٨٢) في الصوم، باب لا تتقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين؛ وأبو داود رقم (٢٣٣٥) في الصوم، باب فيمن يصل شعبان برمضان؛ والترمذي رقم (٦٨٤) في الصوم، باب ما جاء: لا تقدموا الشهر بصوم.
(٣) في ب، ط: "شهر رمضان".
(٤) في ب، ط: "التقديم".

<<  <   >  >>