للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهرِ أبو عبيد (١) وغيرُه من الأئمة. وكذلك بَوَّبَ عليه البخاريُّ صيامَ آخر الشهر، وأشكلَ هذا على كثيرٍ من العلماء؛ فإنَّ في "الصحيحين" (٢) أيضًا، عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا تَقدَّموا رمضانَ بيومٍ (٣) أو يومين، إلَّا مَنْ كان يَصُومُ صومًا فليصُمْهُ".

فقال كثيرٌ من العلماء، كأبي عبيد، ومَن تابعَهُ، كالخطَّابي (٤)، وأكثرُ شُرَّاحِ الحديثِ: إن هذا الرجلَ الذي سأله النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلَمُ أن له عادةً بصيامِهِ، أو كان قد نذَرَهُ، فلذلك أمرَهُ (٥) بقضائِهِ. وقالت طائفة: حديثُ عِمرانَ يَدُلُّ على أنه يجوزُ صيامُ يومِ الشكِّ وآخِرِ شعبانَ مطلقًا، سواء وافقَ عادةً أو لم يوافق. وإنما يُنهَى عنه إذا صامَهُ بنيَّةِ الرَّمضَانيةِ احْتياطًا، وهذا مذهبُ مالك، وذَكَرَ أنَّه القولُ الذي أدرَكَ عليه أهلَ العلم، حتى قال محمد بن مَسْلَمَةَ من أصحابه: يُكرَهُ الأمرُ بفطرِهِ؛ لئلًا يُعتقدَ وجوبُ الفطرِ قبلَ الشهر كما وجَبَ بعدَه.

وحَكَى ابنُ عبد البِرّ هذا القولَ عن أكثرِ علماءِ الأمصارِ، وذكر محمد بن ناصرٍ الحافظُ أن هذا هو مذهبُ أحمدَ أيضًا، وغُلِّطَ في نقلهِ هذا عن أحمدَ، ولكن يُشكِلُ على هذا حديثُ أبي هريرةَ - رضي الله عنه -، وقوله (٦): "إلَّا مَنْ كان يصومُ صومًا فليصُمْه". وقد ذَكَرَ الشافعِيُّ في كتاب "مختلف الحديث" (٧) احتمالًا في معنى قوله "إلا مَنْ كان يَصُومُ صومًا فليصُمْه". وفي رواية "إلَّا أن يوافِقَ ذلك صومًا كان يَصُومُه


(١) في آ: "أبو عبيدة"، وكذا في اللسان والتاج.
(٢) أخرجه البخاري رقم (١٩٨٣) في الصوم، باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين؛ ومسلم رقم (١٠٨٢) في الصوم، باب لا تتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين؛ وأبو داود رقم (٢٣٣٥) في الصوم، باب فيمن يصل شعبان برمضان؛ والترمذي رقم (٦٨٤) في الصوم، باب ما جاء: لا تقدموا الشهر بصوم.
(٣) في مصادر الحديث: "بصوم يوم أو يومين".
(٤) قال الخطابي معلقًا على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "هل صُمت من سِرار هذا الشهر شيئًا": كان بعض أهل العلم يقول في هذا: إنَّ سؤاله سؤالُ زجر وإنكار؛ لأنه قد نهى أن يستقبل الشهر بصوم يوم أو يومين. قال: ويشبه أن يكون هذا الرجل قد أوجَبَه على نفسه بنَذْر، فلذلك قال له في سياق الحديث: إذا أفطرت - يعني في رمضان - فصُم يومين؛ فاستحب له الوفاء بهما. (النهاية ٢/ ٣٥٩).
(٥) في آ، ش: "أمر بقضائه".
(٦) في هامش آ: "في الصحيحين".
(٧) كتاب اختلاف الحديث ص ٢٥٠ - ٢٥٢ (ط. بيروت ١٩٨٥).

<<  <   >  >>