للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأسبابَ، وفارَقَ الأحبابَ، وسَكَنَ التُّرابَ، وواجَهَ الحِسابَ، غنيًّا عمَّا خَلَّفَ، فقيرًا إلى ما أَسْلَفَ؛ فاتَّقُوا الله عبادَ الله قبلَ نُزولِ الموتِ وانقضاءِ مَوَاقِيتِه، وإنِّي لأقولُ لكم هذه المقالةَ وما أَعْلَمُ عندَ أحدٍ مِنَ الذُّنوبِ أكثَرَ مِمَّا أعلمُ عندِي، ولكني (١) أستغفرُ الله وأتُوبُ إليه. ثمَّ رَفَعَ طَرَفَ رِدائِهِ وبَكَى حتَّى شَهَقَ، ثمَّ نزَلَ فما عادَ إلى المنبر بعدَها حتَّى ماتَ رحمةُ الله عليه (٢).

يا ذَا الذي ما كَفَاهُ الذَّنبُ في رَجَبٍ … حتَّى عَصَى رَبَّهُ في شَهْرِ شَعْبَانِ

لَقَدْ أَظَلَّكَ شَهْرُ الصَّوْمِ بَعْدَهما … فلا تصيِّرْهُ أيضًا شَهْرَ عِصْيانِ

واتْلُ القُرانَ (٣) وسَبِّحْ فيهِ مُجتهدًا … فإنَّه شَهْرُ تَسْبيحٍ وقُرْآنِ

واحْمِلْ (٤) على جَسَدٍ ترجو النَّجاةَ لَهُ … فَسَوفَ تُضْرَمُ أجَسادٌ بِنيرانِ

كَمْ كُنْتَ تعرِفُ مِمَّن صامَ في سَلَفٍ … مِن بين أهلٍ وجِيرانٍ وإخْوانِ

أَفْنَاهُمُ الموتُ واسْتَبْقاكَ بَعْدَهُمُ … حَيًّا فما أقرَبَ القاصِي مِنَ الدَّانِي

وَمُعْجَب بثيابِ العيدِ يَقطعُها … فأصْبَحَتْ في غدٍ أثوابَ أَكْفَانِ

حتَّى مَتَى يَعْمُرُ الإنسانُ مَسْكَنَهُ … مَصِيرُ (٥) مَسْكَنِهِ قَبرٌ لإنْسانِ

* * *


(١) في ب، ع، ط: "ولكن".
(٢) انظر "صفة الصفوة" ٢/ ١٢٣ - ١٢٤، ومختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ١٩/ ١١٠، والبداية والنهاية ٩/ ١٩٩.
(٣) القُران: اسم، ليس بمهموز، لم يؤخذ من قرأت، ولكنه اسمٌ لكتاب الله، مثل التوراة والإنجيل. (اللسان: قرأ).
(٤) في ب، ط: "فاحمل".
(٥) في ش: "يصير مسكنُه قبرًا".

<<  <   >  >>