للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هكذا وهكذا وهكذا، وأشارَ بأصابعِهِ العَشْرِ، وخَنَسَ (١) إبهامَهُ في الثالثة، صُومُوا لرؤيتِهِ وأفطِرُوا لرؤيته؛ فإنْ غُمّ عليكم فأكمِلُوا العِدّة" (٢). وإنما علَّق الله تعالى على الشمس أحكامَ اليوم مِن الصّلاةِ والصِّيام، حيث كان ذلك أيضًا مشاهدًا بالبصر لا يحتاج إلى حسابٍ وَلا كتاب (٣)؛ فالصَّلاة تتعلَّقُ بطلُوعِ الفجرِ، وطُلوعِ الشمس، وزوالِها، وغروبِها، ومصيرِ ظلِّ الشيء مثله (٤)، وغروبِ الشفَق. والصِّيامُ يتوقَّتُ (٥) بمدّة النهارِ من طلوعِ الفجر إلى غروب الشمسِ. وقوله تعالى: {وَالْحِسَابَ}، يعني بالحسابِ حسابَ ما يحتاجُ إليه الناسُ من مصالحِ دينهم ودنياهم، كصيامهم، وفطرهم، وحجّهم، وزكاتِهم، ونذورِهم، وكفاراتهم، وَعِدَدِ نسائهم، ومُدَدِ إيلائهم (٦)، ومُدَدِ إجاراتهم، وحُلولِ آجالِ دُيونهم، وغيرِ ذلك مما يتوقّتُ بالشهور والسنين. وقد قال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (٧)، فأخبرَ أنّ الأهِلَّةَ مواقيتُ للناسِ عُمومًا، وخصَّ الحجّ من بين ما يُوقّتُ به؛ للاهتمام به، وجعَلَ الله سبحانه وتعالى في كل يوم وليلةٍ لعباده المؤمنينَ وظائفَ مُوَظّفةً عليهَم من وظائفِ طاعتِه. فمنها ما هو مفترض كالصلواتِ الخمس. ومنها ما يُنْدَبُونَ إليه من غير افتراض، كنوافلِ الصّلاةِ والذكر وغير ذلك.

وجَعَلَ في شهور الأهِلَّةِ وظائفَ مُوَظَّفةً أيضًا على عباده، كالصِّيامِ، والزّكاةِ،


(١) في ط: "وختم". وخنَسَ إبهامه: أي قَبَضَها وجمعها على أخواتها.
(٢) رواه بهذا اللفظ مسلم رقم (١٠٨٠) (١٥) و (١٦) في الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال. ورواه أيضًا مختصرًا البخاري رقم (١٩١٣) في الصوم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكتب ولا نحسب"، وأبو داود رقم (٢٣١٩) في الصوم، باب الشهر يكون تسعًا وعشرين، وأحمد في "المسند" (٢/ ١٢٢) في حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
(٣) في آ: "وكتاب".
(٤) في آ: "مصير كل شيء مثليه".
(٥) في آ، ب: "يتوقّف".
(٦) الإيلاء: الحلف. وفي سورة البقرة الآية ٢٢٦: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. والمراد أن الزوج إذا حلف ألا يقرب زوجته تنتظره الزوجة مدة أربعة أشهر، فإن عاشرها في المدة فبها ونعمت، ويكون قد حنث في يمينه وعليه الكفارة، وإن لم يعاشرها وقعت الفرقة والطلاق بمضي تلك المدة عند أبي حنيفة، وقال الشافعي: ترفع أمره إلى الحاكم فيأمره إما بالفيئة أو الطلاق، فإن امتنع عنهما طلّق عليه الحاكم. وانظر تفصيل ذلك في تفسير القرطبي ٣/ ١٥٢ وما بعدها.
(٧) سورة البقرة، الآية ١٨٩.

<<  <   >  >>