للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الليلة تصفَّدُ مَرَدَةُ الجِنِّ، وتُغلُّ عفارِيتُ الجِنِّ، وتُفْتَحُ فيها أبوابُ السَّماء كلُّها، ويقْبَلُ اللهُ فيها التوبَةَ لكُلِّ تائبٍ؛ فلذلك قال: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر}. ويُروى عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه، قال: لا يستطيعُ الشَّيطانُ أن يُصِيب فيها أحدًا بِخَبَلٍ أو داءٍ أو ضَرْبٍ من ضُرُوبِ الفسادِ، ولا ينفُذُ فيها سِحْرُ ساحِرٍ.

ويُروى بإسنادٍ ضعيفٍ عن أنس مرفوعًا: "أنَّه لا تَسْرِي نجومُها، ولا تنبَحُ كلابُها". وكلُّ هذا يَدُلُّ على كفِّ الشَّياطين فيها عن انتشارِهم في الأرض، ومنعِهم من استِراقِ السَّمع فيها من السَّماء. ابنَ آدمَ! لو عرفْتَ قدْرَ نفسِكَ ما أهنْتَها بالمعاصِي، أنتَ المختارُ من المخلوقات، ولك أُعِدَّتِ الجنَّة؛ إن اتقيتَ فهي أقطاعُ المتقين، والدنيا أقطاعُ إبليسَ؛ فهو فيها من المنظَرينَ. فكيفَ رضِيتَ لنفسِكَ بالإِعراض عن أقطاعِكَ ومزاحمةِ إبليسَ على أقطاعِهِ، وأن تكونَ غدًا مَعَهُ في النَّار من جملة أتباعِهِ؟ إنَّما طَردنَاهُ عن السَّماء لأجلك حيثُ تكبَّر عن السُّجودِ لأبيكَ، وطلبْنا قربَكَ؛ لتكونَ من (١) خاصتنا وحزبنا، فعادَيْتَنا ووالَيْتَ عَدُوَّنا، {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} (٢).

رَعَى الله مَن نَهْوَى وإنْ كان ما رَعى … حَفِظْنا له العهدَ (٣) القديمَ فضَيَّعا

وصاحبْتَ قومًا كُنْتُ أنهاكَ عنهُمُ … وحقِّكَ ما أبقيْتَ للصلْحِ مَوْضِعا

أبشِروا يا معاشرَ (٤) المسلمين، فهذه أبوابُ الجنَّة الثمانيةُ في هذا الشهر لأجلكم قد فُتِحَتْ، ونسماتُها على قلوب المؤمنين قد نَفَحَتْ، وأبوابُ الجحيم كلُّها لأجلكم مُغلَقَةٌ، وأَقدامُ إبليسَ وذرئتِهِ من أجلِكُم موثَقَة. ففي هذا الشهر يؤخَذُ من إبليس بالثأر، وتُستخلصُ العُصاةُ من أسْرِهِ فما يبقَى لهم عندَه آثار. كانوا أفراخَهُ، قد غذَّاهم بالشهوات في أوكارِه، فهجروا اليومَ تلك الأوكار. نقضوا معاقِلَ حصُونِه بمعاوِل التوبة والاستغفار. خرَجُوا من سجنه إلى حصنِ التَّقْوَى والإِيمان، فأمِنُوا مِن عذاب النار. قصَمُوا ظهرَهُ بكلمة التوحيدِ؛ فهو يشكُو ألَمَ الانكِسارِ. في كُلِّ مَوْسِمٍ من مواسِمِ


(١) في آ: "من خواصِّنا وجيرتنا".
(٢) سورة الكهف الآية ٥٠.
(٣) في آ: "الوِدّ".
(٤) في آ: "يا معشر".

<<  <   >  >>