للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّاسِ في صيامه للفرض نقصٌ وخلَلٌ، فيحتاجُ إلى ما يُجبِرُه ويُكْمِلُهُ مِن الأعمال؛ ولهذا نَهَى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقولَ الرَّجُلُ: صُمْتُ رَمضانَ كُلَّه، أو قمته كُلَّه. قال الصَّحابي (١): فلا أدرِي، أكرِهَ التَّزكِيَةَ أم لا بُدَّ من غَفْلَة (٢). وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقولُ: مَن لم يجِدْ ما يتصدَّقُ به فليصُمْ. يعني من لم يجد ما يُخرجُهُ صَدَقَة للفطر في آخر رمضان فليصُمْ بعدَ الفِطْر؛ فإنَّ الصِّيامَ يقومُ مقام الإِطعام في التكفير للسيئات، كما يقومُ مقامَه في كفَّارات الأيْمان وغيرها من الكفَّارات، مثل كَفَّارة (٣) القتل، والوطء في رمضان، والظِّهار.

ومنها: أن معاوَدَةَ الصِّيام بعدَ صِام رمضانَ علامةٌ على قَبُولِ صَوْمِ رمضانَ؛ فإنَّ الله تعالى إذا تقبَّل عَمَلَ عَبْدٍ وفَّقَه لعمل صالحٍ بعدَه، كما قال بعضُهم: ثوابُ الحسنةِ الحسنةُ بَعْدَها، فمن عَمِلَ حسَنَةً ثم أتبَعَها بحسنةٍ بعدها، كان ذلك علامةً على قَبولِ الحسَنَةِ الأولى. كما أن مَن عَمِلَ حسنةً، ثم أتبَعَها بسيئةٍ، كان ذلك علامَةَ رَدِّ الحسَنَةِ وعَدَمَ قبولها.

ومنها: أن صيامِ رمضانَ يوجِبُ مغفِرَةَ ما تقدَّمَ مِن الذُّنوب، كما سَبَقَ ذكْرُه؛ وأنَّ الصَّائمين لرمضانَ يوفَّونَ (٤) أجورَهُم في يوم الفِطر، وهو يومُ الجوائز. فيكون معاوَدَةُ الصِّيامِ بعدَ الفِطْر شُكرًا لهذه النِّعمةِ، فلا نِعْمَةَ أعظمُ مِن مغفرة الذنوبِ. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوِمُ حتَّى تتورَّمَ قَدَمَاهُ، فيقالُ له: أتفعَلُ هذا وقد غَفَرَ الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ فيقول: أفلا أكونُ عبدًا شكورًا (٥)؟.

وقد أَمَرَ اللهُ سبحانه وتعالى عِبادَهُ بشُكْر نِعمَةِ صِيام رمضانَ بإظهارِ ذِكْرِه، وغير


(١) هو أبو بكرة رضي الله عنه. والحديث أخرجه أبو داود رقم (٢٤١٥) في الصوم: باب من يقول: صمت رمضان كله؛ والنسائي ٤/ ١٣٠ في الصيام: باب الرخصة في أن يقال لشهر رمضان: رمضان، وفيه عنعنة الحسن البصري.
(٢) في ط: "الغفلة". وفي "جامع الأصول" ١١/ ٧٣٥: "لا بُدَّ من نَوْمَةٍ أو رَقْدَةٍ".
(٣) في ط: "في مثل كفَّارات القتل".
(٤) في آ: "يؤتون".
(٥) أخرجه البخاري رقم (١١٣٠) في التهجد: باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - الليل، وفي غيره. ومسلم رقم (٢٨١٩) في صفات المنافقين: باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، والترمذي رقم (٤١٢) في الصلاة، والنسائي ٣/ ٢١٩ في قيام الليل، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>