للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمعونا نبكي بكوا، ويقولُ بعضُهم لبعضٍ: ما الذي جَعَلَهما أَوْلى بالبكاء مِنَّا والمصيرُ واحدٌ؟ فجَعَلوا واللهِ يبكون ونبكي.

ثم خَرَج من عندِه فدَخَلَ على بُهَيمٍ، فسَلَّم عليه، وقال له: كيف رأيتَ صاحبَكَ؟ تال: خير صاحبٍ، كثير الذِّكْرِ لله، طويل التِّلَاوة للقرآن، سريع الدَّمعة، متحمِّل (١) لهفواتِ الرَّفيق، فجزاك اله عنِّي خيرًا.

وكان ابنُ المبارك يُطعِمُ أصحابَه في الأسفار أطيَبَ الطعام وهو صائمٌ، وكان إِذا أراد الحجَّ من بلدِهِ مَرْو جَمَعَ أَصحابَه، وقال: من يريدُ منكَم الحجَّ؟ فيأخُذُ منهم نفقاتهم فيضعُها عِندَه في صندوقٍ ويُقفِلُ عليه، ثم يحمِلُهم ويُنفِقُ عليهم أوسَعَ النَّفقة، ويطعمهم أَطيبَ الطَّعام، ثم يشتري لهم مِن مكَّة ما يُريدون من الهدايا والتُّحَف، ثم يرجِع بهم إِلى بلده، فإِذا وصَلُوا صنَعَ لهم طعامًا، ثم جَمَعَهم عليه، ودَعَا بالصندوق الذي فيه نفقاتهُم فَرَدَّ إِلى كُلِّ واحدٍ نفقته.

المعنى الثاني: مما يُراد بالبِرِّ فِعْلُ الطَّاعات كُلِّها، وضِدُّه الإِثمُ. وقد فسَّر الله تعالى البِرَّ بذلك في قوله: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي (٢) الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} (٣). الآية. فتضمَّنت الآية أنَّ أنواعَ البِرِّ سِتَّةُ أنواعٍ، مَن استكمَلَها فقد استكمَلَ البِرَّ.

أوَّلها: الإِيمانُ بأصول الإِيمان الخمسةِ. وثانيها: إِيتاء المال المحبوب لذوي القُرْبَى واليتامَى والمساكين وابنِ السَّبيل والسَّائلين وفي الرقاب. وثالثها: إِقامُ الصلاة. ورابعها: إِيتاء الزَّكاة. وخامسها: الوفاءُ بالعَهْد. وسادسها: الصَّبْر على البأساء والضَّرَّاء وحينِ البأس. وكلُّها يحتاج الحاجّ إِليها، فإِنَّه لا يصحُّ حجُّه بدون الإِيمان، ولا يكمل حجُّه ويكون مبرورًا بدون إِقام الصَّلاة وإِيتاء الزَّكاة؛ فإِنَّ أركان الإِسلام بعضُها مرتبط


(١) في صفة الصفوة: "محتمل الهفوات للرفيق".
(٢) في آ، ش، ع: "إِلى آخر الآية".
(٣) سورة البقرة الآية ١٧٧.

<<  <   >  >>