للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا سائرين إِلى البَيْتِ العَتيقِ لَقَدْ … سِرْتُم جُسُومًا وسِرْنا نحنُ أَرْواحَا

إِنَّا أَقَمْنا على عُذْرٍ وقَدْ رَحَلُوا … وَمَنْ أَقَامَ على عُذْرٍ كَمَنْ راحَا

وربَّما سَبَقَ بعضُ من سار بقلبه وهِمَّته وعَزْمه بعضَ السائرين ببدنه.

رأى بعضُ الصالحين في منامه عشيَّةَ عَرَفَةَ بعرَفَةَ قائلًا يقول له: ترى هذا الزِّحام بالموقف؟ قال: نعم. قال: ما حَجَّ منهم إِلَّا رجلٌ واحد (١) تخلَّف عن الموقف، فحَجَّ بهمَّتِه، فوهَبَ الله لَهُ أَهْلَ الموقفِ. ما الشأنُ فيمَن سارَ ببدنه، إِنَّما الشأنُ فيمَنْ قَعَدَ بدنُهُ وسار بقلبه، حتى سَبَقَ الرَّكْبَ.

مَنْ لي بمثل سيرك المُذَلَّلِ … تمشي رُوَيدًا وتجي في الأوَّلِ

يا سائرين الى دار الأحباب قِفُوا للمنقطِعين، تحمَّلوا معكم رسائلَ المحصَرين، خُذُوا نَظْرَةً مِنِّي فَلَاقُوا بها الحِمَى.

شعر:

يا سائرين الى الحبيبِ ترفَّقُوا … فالقلبُ بينَ رحالكُم خلَّفْتُهُ

ما لي سِوَى قلبي وفيكَ أَذَبْتُهُ … ما لي سِوى دَمْعِي وفيكَ سَكَبْتُهُ

كان عُمَرُ بن عبد العزيز إِذا رأى مَن يسافرُ الى المدينة النبوية يقول له: أقرِئ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنِّي السَّلامَ. ورُوي أنه كان يُبردُ (٢) عليه البريدَ من الشام.

هذه الخيفُ وهاتيك مِنىً … فَتَرَفَّقْ أيُّها الحادي بنا

واحْبِسِ الرَّكْبَ علينا سَاعَةً … نَنْدُبُ الرَّبْعَ ونَبْكِي الدِّمَنا

فلِذا الموقِفِ أعْدَدْنا البُكَا … ولِذا اليوم الدُّموعُ (٣) تُقْتَنى

أتراكُمْ في النَّقَا والمُنْحَنَى … أهْلَ سلْعٍ تذكُرونا ذِكْرَنا

انقَطَعْنا ووصَلْتُم فاعْلَمُوا … واشْكُروا المنعِمَ يا أهْلَ مِنَى


(١) لفظ "واحد" لم يرد في آ، ش، ع.
(٢) في آ، ش: "لا يرد". ومعنى يبرد: يرسل البريد.
(٣) في ش: "دموعي".

<<  <   >  >>