للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن التعسير ويأمر بالتيسير، ودينُه الذي بُعِثَ به يُسْر. وكان يقولُ: خيرُ دينِكم أيسَرُه. ورأى رجُلًا يُكثِر الصَّلاة، فقال: إِنَّكم أمَّةٌ أريدَ بكم اليُسْر. ولم يكن أكثرُ تطوُّعِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وخواصّ أصحابه بكثرة الصَّوم والصَّلاة، بل بِبِرِّ القلوب وطهارتِها وسلامتها وقوَّة تعلُّقها بالله، خشيةً له ومحبَّةً، وإِجلالًا وتعظيمًا، ورغبةً فيما عنده، وزُهدًا فيما يفنَى.

وفي "المسند" (١) عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إِنِّي أعلَمُكُم بالله وأتقاكُم له قلبًا".

قال ابنُ مسعود رضي الله عنه لأصحابه: أنتم أكثرُ صلاةً وصيامًا من أصحاب محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وهم كانوا خيرًا منكم. قالوا: ولِمَ؟ قال: كانوا أزهَدَ منكم في الدُّنيا وأرغَبَ في الآخرة. وقال بكر المزنِيُّ (٢): ما سبَقَهم أبو بكرٍ بكثرة صيامٍ ولا صلاةٍ، ولكن بشيءٍ وَقَرَ في صَدْرِه. قال بعضُ العلماء المتقدِّمين: الذي وَقَرَ في صَدْرِه هو حُبُّ اللهِ والنصيحةُ لخلْقِه. وسئلت فاطمةُ بنتُ عبد الملك زوجَةُ عمر بن عبد العزيز بعدَ وفاته عن عمله، فقالت: والله، ما كان بأكثَرَ الناسِ صلاةً ولا بأكثرِهم صِيامًا، ولكن والله، ما رأيتُ أحدًا أخوَفَ لله من عُمَرَ، لقد كان يذكُر الله في فراشه فينتفِضُ انتفاضَ العصفور من شِدَّة الخوف، حتى نقولَ: ليُصْبِحَنَّ الناسُ ولا خليفَةَ لهم.

قال بعضُ السلف: ما بلغ مَنْ بلَغَ عندنا بكثرةِ صلاةٍ ولا صيامٍ، ولكن بسخاوَةِ النفوسِ، وسَلامةِ الصُّدور، والنُّصحِ لِلأمَّة. وزاد بعضُهم: واحتقار أنفسِهم. وذُكِرَ لبعضهم شِدَّةُ اجتهادِ بني اسرائيلَ في العبادة، فقال: إِنَّما يريد الله منكم صِدْقَ النِّيَّة فيما عنده. فمن كان بالله أعرَفَ، وله أخوَفَ، وفيما عندَه أرغَبَ؛ فهو أفضَلُ مِمَّن دونه في ذلك، وإِن كَثُرَ صومُه وصلاتُه. قال أبو الدَّرداء رضي الله عنه: يا حبَّذا نوم


(١) مسند أحمد ٦/ ٦١.
(٢) هو بكر بن عبد الله بن عمرو المزني، أبو عبد الله، البصري، أحد الأعلام، يذكر مع الحسن البصري وابن سيرين. كان ثقة ثبتًا، كثير الحديث، حجَّة، فقيهًا، مات سنة ١٠٦ هـ. (طبقات ابن سعد ٧/ ٢٠٩، سير أعلام النبلاء ٤/ ٥٣٢).

<<  <   >  >>