للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصيامُه كفَّارةٌ لِمَا بينَ الرَّمضانين إِذا اجتنبتِ الكبائرُ. فطلبَ منه الباهِليُّ أن يزيدَه من الصِّيام ويأمرَه بالتطوُّع، وأخبَرَه أنَّه يجِدُ قوَّةً على الصِّيام، فقال له: صُم يوماً مِن الشهر، فاستزادَهُ، وقال: إِنِّي أجِدُ قوَّةً، فقال: صُم يومين مِن الشهر، فاستزاده، وقال: إِني أجِدُ قوَّةً، فقال: صُم ثلاثة أيَّامٍ من الشهر. قال: وألحَّ عند الثالثة فما كاد، يعني ما كاد يزيدُه على الثلاثة أيَّامٍ من الشهر.

وهكذا قال لعبد الله بن عمرو بن العاص أيضًا؛ ففي "صحيح مسلم" (١) عنه: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: صُم يوماً، يعني من الشهر، ولكَ أجْرُ ما بقي، قال: إِنِّي أطيقُ أكثرَ من ذلك، قال: صُم يومين ولك أجرُ ما بقي، قال: إِنِّي أطيقُ أكثَرَ من ذلك، قال: صُم ثلاثة أيام ولكَ أجرُ ما بقي. ففي هذا أنَّ صيام (٢) ثلاثة أيام من الشهر يحصُل به أجرُ صيامِ الشهر كُلِّه، وكذلك صيامُ يومين منه. ووجْهُ ذلك أنَّ الصِّيامَ يُضاعَفُ ما لا يُضاعَفُ غيرُه من الأعمال، وقد سبَقَ ذكرُ ذلك عند الكلام على حديث (كُلٌّ عملِ ابن آدم له الحسنة بعَشْرِ أمثالها إِلى سبعمائة ضعفٍ. قال الله عزَّ وجلَّ: إِلاَّ الصِّيام فإِنَّه لي وأنا أجزي به" (٣).

فالصِّيام لا يعلم منْتَهَى مضاعَفَتِه إِلاَّ الله عزَّ وجلَّ. وكلَّما قوِيَ الإِخلاصُ فيه وإِخفاؤه وتنزيهه من المحرَّمات والمكروهات كثُرَتْ مضاعفَتُه، فلا يستنكر أن يصومَ الرجلُ يوماً من الشهر فيضاعَف له بثواب ثلاثين يومًا، فيكتب له صيام الشهر كلِّه. وكذلك إِذا صَامَ يومين من الشهر. وأمَّا إِذا صَامَ منه ثلاثة أيام فهو ظاهر؛ لأنَّ الحسنة بعشر أمثالها.

وخرَّج الترمذي (٤) والنسائي عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) رقم (١١٥٩) في الصيام: باب النهي عن صوم الدهر. وللحديث روايات عدة أخرجها البخاري أيضًا، وأبو داود، والنسائي، والترمذي. وانظر "جامع الأصول" ١/ ٢٩٧ - ٣٠٢.
(٢) في آ، ع: "صيام يوم من الشهر".
(٣) رواه الشيخان وغيرهما من أصحاب السنن، وله روايات متعددة، انظرها في "جامع الأصول" ٩/ ٤٥٠ - ٤٥٣.
(٤) أخرجه الترمذي رقم (٧٦١) في الصوم: باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والنسائي ٤/ ٢١٩ في الصوم: باب في صيام ثلاثة أيام من كل شهر. وقال الترمذي: وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>