للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في غيره من أيَّام السَّنة كُلِّها، صار العملُ فيه، وإِن كان مفضولًا، أفضَلَ من العمل في غيره وإِن كان فاضِلًا؛ ولهذا قالوا: يا رسولَ الله! ولا الجِهادُ في سبيل الله؟ قال: ولا الجِهادُ، ثم استثنى جهادًا واحدًا هو أفضَلُ الجهادِ؛ فإِنَّه - صلى الله عليه وسلم - سئل أيُّ الجهاد أفضَلُ؟ قال: مَن عُقِرَ جَوادُه وأُهْرِيقَ دَمُهُ (١)، وصاحِبُهُ أفضَلُ الناس دَرَجةً عندَ الله.

سمِعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يدعو، يقول: اللهم، أعطني أفضَلَ ما تعطي عبادَكَ الصالحين. فقال له: اذن يُعْقَرُ جوادُك وتستشهد. فهذا الجهاد بخصوصه يفضُلُ على العمل في العشر.

وأمَّا بقيةُ أنواع الجِهاد فإِنَّ العمل في عشر ذي الحِجَّة أفضَلُ وأحَبُّ إِلى الله عزَّ وجلَّ منها، وكذلك سائرُ الأعمال. وهذا يدلُّ على أنَّ العمَلَ المفضولَ في الوقت الفاضل يلتحقُ بالعمل الفاضِلِ في غيره، ويزيدُ عليه لمضاعفة ثوابه وأجرِه. وقد رُوِي في حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما هذا زيادة "والعَمَلُ فيهن يُضاعَفُ بسبعمائة" وفي إِسنادها ضعفٌ. وقد ورد في قدر المضاعفة روايات متعدِّدة مختلفة، فخرَّج الترمذي (٢) وابنُ ماجة من رواية النَّهَّاس بن قَهْمٍ، عن قَتَادة، عن ابن المسيَّب، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ما مِنْ أيَّام أحَبُّ إِلى الله أن يُتَعَبَّدَ له فيها من عَشْرِ ذي الحِجَّة، يَعْدِل (٣) صيامُ كُلِّ يومٍ منها بصيام سنةٍ، وقيامُ كلِّ ليْلَةٍ منها بقيام لَيْلَةِ القَدْرِ".

والنَّهَّاسُ بن قَهْم ضعفوه. وذكر الترمذي (٤) عن البخاري أنَّ الحديث يُروى عن


(١) جزء من حديث ذكره المؤلف بالمعنى، واخرجه أبو داود رقم (١٤٤٩) في الصلاة: باب طول القيام، والنسائي ٥/ ٥٨ في الزكاة: باب جهد المقل، وإِسناده حسن.
(٢) أخرجه الترمذي رقم (٧٥٨) في الصوم: باب ما جاء في العمل في أيام العشر، وفي سنده مسعود بن واصل، وهو لين الحديث، والنهَّاس ابن قَهْم، وهو ضعيف. وقال الترمذي: هذا حديث غريب. وبهذا السند أيضًا أخرجه ابن ماجة رقم (١٧٢٨) في الصيام: باب صيام العشر.
(٣) في ب، ش، ع، ط: "يعدل صيام كل يوم منها بسنة، وكل ليلة .. "، وأثبت ما جاء في (آ) والترمذي.
(٤) قال الترمذي: "سألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه، مثل هذا. وقال: قد روي عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، شيء من هذا".

<<  <   >  >>