للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أطاعَ اللهَ قومٌ فاسْتَرَاحُوا … ولم يتجرَّعوا غُصَصَ المعاصي

إِخوانكم في هذه الأيام قد عَقَدُوا الإِحرام، وقصَدُوا البيتَ الحرامَ، وملؤوا الفضاءَ بالتَّلبية والتكبير والتهليل والتحميد والإِعظام، لقد ساروا وقَعَدنا، وقَرُبُوا وبَعُدْنا، فإِن كان لنا معهم نصيبٌ سَعِدْنا.

أتراكم في النَّقا والمنحنى … أهلَ سَلْعٍ تذكرُونا ذِكرنا

انقطَعْنا ووصَلْتم فاعْلَمُوا … واشْكُروا المنْعِمَ يا أهْلَ مِنى

قد خسِرْنا وربحْتُم فَصِلُوا … بفُضُول الرِّبْح مَن قَدْ غُبِنا

سار قلبي خَلْفَ أحمالِكُمُ (١) … غيرَ أنَّ العُذْرَ عَاقَ البَدَنا

ما قطعتم واديًا إِلَّا وقَدْ … جئتُه أسعَى بأقدامِ المُنَى

أنا مذْ غبتم علَى تذكاركُمْ … أترى عندكُمُ ما عندَنا

القاعدُ لعذرٍ شريك السَّائر، وربما سبق السائرُ بقلبه السَّائرين بأبدانهم. رأى بعضُهم في المنام عشيَّةَ عرفَةَ في الموقف قائلًا يقول له (٢): أترَى هذا الزِّحام على هذا الموقف؟ فإِنه لم يحجَّ منهم أحدٌ إِلَّا رجلٌ تخلَّف عن الموقف، فحجَّ بهمَّته فوُهِبَ له أهلُ الموقف.

يا سائرينَ الى البيتِ العَتيقِ لَقَدْ … سرْتُمْ جُسُومًا وسِرْنا نحنُ أَرْواحا

إِنَّا أقمْنا علَى عُذْرٍ وقد رَحَلُوا … وَمَنْ أقام على عُذْرٍ كَمَنْ رَاحَا

الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عِوضٌ ولا لها قيمة. المبادرةَ المبادرةَ بالعمل، والعجَلَ العجَلَ قبلَ هُجُوم الأجل، قبلَ أن يندَمَ المفرِّطُ على ما فعل، قبلَ أن يسألَ الرجعةَ ليعمل صالحًا فلا يجاب إِلى ما سأل، قبلَ أن يحولَ الموتُ بين المؤمِّل وبلوغ الأمل، قبلَ أن يصيرَ المرء مُرتهنًا في حفرته بما قدَّم من عمل.


(١) في ب، ش: "أجمالكم".
(٢) لفظ "له" لم يرد في آ، ش، ع.

<<  <   >  >>