للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عُضوًا منه من النار. كان حكيم بن حِزام (١) رضي الله عنه يقِفُ بعَرَفَةَ ومعه مائة بَدَنةٍ مقلَّدة، ومائة رقبة، فيعتق رقيقَه، فيضجُّ الناس بالبكاءِ والدُّعاء، ويقولون: ربَّنا، هذا عبدُك قد أعتَقَ عبيدَه، ونحن عبيدُك فاعتقنا. وجَرَى للناس مرَّةً مع الرشيد نحو هذا. وكان أبو قلابة يُعتِقُ جاريةً في عيد الفطر يرجو أن يُعتَقَ بذلك من النار.

ومنها: كثرةُ الدُّعاء بالمغفرة والعِتق؛ فإنَّه يُرجى إجابةُ الدُّعاء فيه. روى ابنُ أبي الدنيا بإسناده عن علي، قال: ليس في الأرض يومُ إلَّا لله فيه عتقاءُ مِن النار، وليس يومٌ أكثَرُ فيه عِتقًا للرقاب من يوم عرفة. فأكثِر فيه أن تقول: اللهم أعتِق رقبتي من النار، وأوسع لي من الرزق الحلال، واصرف عنِّي فسَقَةَ الجِنِّ والإنس، فإنَّه عامَّةُ دعائي اليوم. وليحذَرْ من الذُّنوب التي تمنع المغفرة فيه والعتق:

فمنها: الاختيال؛ روينا من حديث جابرٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ما يُرى يوم أكثر عتيقًا ولا عتيقةٌ من يوم عرفة، لا يغفر الله فيه لمختالٍ". وخرَّجه البزار والطبراني وغيرُهما. والمختال: هو المتعاظِم في نفسه المتكبِّر، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (٢). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله لا ينظر إلى مَن جَرَّ ثوبه خُيلا" (٣).

ومنها: الإصرار على الكبائر، روى جعفر السراج بإسناده، عن يونس بن عبد الأعلى، أنَّه حَجَّ سنةً فرأى أميرُ الحاج في منامِه أن الله قد غفر لأهل الموسم سِوَى رجل فَسَقَ بغلامٍ، فأمر بالنداء بذلك في الموسم. وروى ابن أبي الدنيا (٤) وغيرُه أن رجلًا رأى في منامه أن الله قد غفر لأهل الموقف كلِّهم، إلَّا رجلًا من أهل


(١) حكيم بن حِزام بن خويلد بن أسد بن عبد العُزَّى الأصدي، أبو خمالد المكي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين، أسلم يوم الفتح، وصحب وله أربع وسبعون سنة، ثم عاش إلى سنة ٥٤ هـ أو بعدها، وكان عالمًا بالنسب، ومن سادات قريش في الجاهلية والإسلام. (سير أعلام النبلاء ٣/ ٤٤).
(٢) سورة الحديد الآية ٢٣.
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" ١٠/ ٢٥٨ في اللباس: باب من جر ثوبه من الخيلاء، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ جَرَّ ثوبَه خُيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، إنَّ إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهده. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنك لست ممن يفعله خيلاء". والخيلاء: العجب والكبر.
(٤) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتابه "ذم المسكر" الفقرة (٥٧). وقد قمت بتحقيقه وطبعه.

<<  <   >  >>