للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا كنْتَ في نِعْمةٍ فارْعَها … فإنَّ المعاصِي تُزيلُ النِّعم

وداوِمْ عليها بشُكْر الإله … فشُكْرُ الإِله يُزيلُ النِّقَم

وخصوصًا نعمة الأكل من لحوم بهيمة الأنعام، كما في أيام التشريق؛ فإنَّ هذه البهائم مُطيعةٌ لله لا تَعصيه، وهي مُسبِّحة له قانتة، كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (١)، وأنَّها تسجُد له، كما أخبر بذلك في سورة النحل (٢) وسورة الحج (٣)، وربما كانت أكثرَ ذكرًا لله من بعض بني آدم. وفي "المسند" (٤) مرفوعًا: "رُبَّ بهيمةٍ خيرٌ من راكبها، وأكثَرُ للهِ منه ذكرًا". وقد أخبر الله تعالى في كتابه أن كثيرًا من الجنِّ والإنس كالأنعام بل هم أضلُّ. فأباح الله عزَّ وجلَّ ذَبْحَ هذه البهائم المطيعة الذاكرة له لعباده المؤمنين حتى تتقوَّى بها أبدانُهم، وتكمُلَ لذَّاتُهم في أكلهم اللحوم، فإنَّها (٥) من أجلّ الأغذية وألذّها، مع أنَّ الأبدان تقوم بغير اللحم من النباتات وغيرِها، لكن لا تكمُل القوَّة والعقل واللذةُ إلَّا باللحم، فأباح للمؤمنين قَتْلَ هذه البهائم والأكْلَ من لحومها؛ ليكمِلَ بذلك قوَّةَ عباده وعقولَهم، فيكون ذلك عَوْنًا لهم على علومٍ نافعةٍ وأعمالٍ صالحةٍ يمتاز بها بنو آدم على البهائم، وعلى ذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهو أكثر (٦) من ذكر البهائم، فلا يليق بالمؤمن مع هذا إلَّا مقابلة هذه النِّعم بالشكر عليها، والاستعانة بها على طاعة الله عزَّ وجلَّ، وذِكْرِه حيثُ فضَّلَ الله ابنَ آدم على كثير من المخلوقات، وسخَّر له هذه الحيوانات، قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (٧). فأمَّا مَن قَتَلَ هذه البهائمَ (٨) المطيعةَ الذَّاكرة لله عزَّ وجلَّ، ثم استعان بأكْل لحومها على معاصِي الله عزَّ وجلَّ، ونسِي ذكرَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فقد قلَبَ الأمرَ وكفرَ النِّعمة، فلا كان من كانت البهائمُ خيرًا منه وأطوَعَ.


(١) سورة الإسراء الآية ٤٤.
(٢) الآية ٤٩، ونصها: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.
(٣) الآية ١٨، ونصها: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ … } إلى آخر الآية.
(٤) مسند أحمد ٣/ ٤٣٩ و ٤٤٠ و ٤٤١.
(٥) في آ، ش، ع: "فإنه".
(٦) في آ: "أكبر".
(٧) سورة الحج الآية ٣٦.
(٨) في ب، ط: "البهيمة".

<<  <   >  >>