للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهْب (١): إن لله مُناديًا ينادي في السَّماء الرابعة كُلَّ صباح: أبناءَ الأربعين: زَرْعٌ دَنَا حصادُه، أبناءَ الخمسين: ماذا قدَّمْتم وماذا أخَّرتم؟ أبناءَ الستين: لا عذرَ لكم. وفي حديثٍ: "إنَّ الله تعالى يقولُ للحَفَظَةِ: ارفقوا بالعَبْدِ ما دامَتْ حداثتُه (٢)، فإذا بلغ الأربعين حقِّقا وتحفَّظا" (٣). فكان بعضُ رواته يبكي عند روايته، ويقول: حين كبِرتِ السِّنُّ، ورَقَّ العَظْمُ، وقَعَ التحفُّظُ.

قال مسروق: إذا أتتك الأربعون فخذ حذرك. وقال النَّخعي: كان يقال لصاحب الأربعين: احتفظ بنفسك.

وكان كثير من السَّلف إذا بلغ الأربعين تفرَّغ للعبادة. وقال عمر بن عبد العزيز: تمَّت حُجَّةُ الله على ابن الأربعين، فمات لها (٤). ورأى في منامه قائلًا يقول له:

إذا ما أتتك الأربعون فعندها … فاخْشَ الإلهَ وكُنْ للموت حذَّارا (٥)

يا أبناءَ العشرين! كم مات من أقرانكم وتخلفتم. يا أبناء الثلاثين! أُصِبْتم بالشباب على قرب من العهد، فما تأسفتم (٦). يا أبناءَ الأربعين! ذَهَبَ الصِّبا وأنتم على اللهو قد عكفتم. يا أبناءَ الخمسين! تنصفتم المائة وما أنصفتم. يا أبناءَ الستين! أنتم على معترك المنايا قد أشرفتم، أتلهون وتلعبون، لقد أسرفتم!!

وإذا تكامَلَ للفَتَى من عُمْره … خَمسونَ وَهْوَ التُّقَى لا يَجْنَحُ

عَكَفَتْ (٧) عليه المخزياتُ فما لَهُ … متأخّرٌ عنها ولا متزحزحُ

وإذا رأَى الشيطانُ غُرَّةَ وَجْهِهِ … حيّا وقال فَدَيْتُ من لا يُفْلِحُ

قال الفضيل لرجلٍ: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى رَبِّك يوشِك أن تصلَ.


(١) في ب: "وهب بن الورد".
(٢) في آ: "ما دامت حداثة"، وفي ش: "ما دام حداثة"، وفي ع: ما دام في حداثة"، وأثبت ما جاء في ب، ط.
(٣) التَّحفُّظ: التيقُّظ، وقلة الغفلة في الأمور والكلام والتيقُّظ من السَّقْطة، كأنَّه على حذر من السقوط. (اللسان: حفظ).
(٤) مات عمر بن عبد العزيز رحمه الله سنة ١٠١ هـ، وله أربعون سنة.
(٥) البيت مضطرب الوزن في الشطرين.
(٦) في آ: "فما تأسَّيْتُم".
(٧) في آ: "علقت".

<<  <   >  >>