للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيا عَجَبًا للنَّاسِ مَنْ قَرَّتْ (١) عيونُهُمْ … مطاعِمَ غُمْضٍ بعدَها الموتُ منتَصِبْ

وطولُ قيامِ الليل أيسَرُ مُؤْنَةً (٢) … وأهوَنُ مِن نَارٍ تَفُورُ وتلتهِبْ

وفي الحديث الصحيح أن ابن عمر رأى في منامه كأنَّ آتيًا أتاهُ فانطلَقَ به إلى النار حتى رآها، ورأى فيها رجالًا يعرفهم (٣) معلَّقين بالسلاسل، فأتاه مَلَكٌ، فقال له: لم تُرَع (٤)، لستَ من أهلها. فقصَّ ذلك على أخته حفصةَ، فقصَّته حفصةُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "نِعْمَ الرجلُ عبدُ الله لو كان يُصلِّي من الليل". فكان ابنُ عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلَّا قليلًا (٥). قال الحسن: أفضَلُ العبادة الصَّلاةُ في جَوْف الليل. وقال: هو أقربُ ما يُتَقَرَّبُ به إلى الله عزَّ وجلَّ. وقال: ما وجدْتُ في العبادة أشدَّ منها. ورُؤي سلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ في المنام، فقال: وجدْتُ أفضَلَ الأعمال قيامَ الليل، ما عندَهم أشرفُ منه. ورأى بعضُ السَّلف خِيامًا ضُربت، فسأل: لمن هي؟ فقيل: للمتهجِّدين بالقرآن، فكان بعد ذلك لا ينام.

فما لي بعيدُ الدَّار لا أقرَبُ (٦) الحِمَى … وقد نُصِبَتْ للسَّاهرين (٧) خِيامُ

علامةُ طَرْدِي طولُ ليليَ نائمٌ … وغَيري يَرَى أنَّ المنامَ حَرَامُ

ومن الصالحين مَن كان يلطُفُ به في الحَرِّ والبَرْدِ، كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ أن يُذهِبَ الله عنه الحَرَّ والبَرْدَ، فكان يلبَسُ في الشتاء ثيابَ الصيف، وفي الصيف ثيابَ الشتاء، ولا يجدُ حَرًّا ولا بَرْدًا (٨). وكان بعضُ التابعين يشتَدُّ عليه الطَّهور في الشتاء،


(١) في آ، ش: "لذت".
(٢) المُؤْنَة: القوت، جمع مُؤَن.
(٣) في آ، ش: "لا يعرفهم".
(٤) في ب، ط: "لن تُراعَ".
(٥) أخرجه البخاري ١٢/ ٤٠٣ في التعبير، باب الاستبرق ودخول الجنة في المنام، وباب الأمن وذهاب الروع في المنام، وفي فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: باب مناقب عبد الله بن عمر، وغير ذلك. وأخرجه مسلم رقم (٢٤٧٨) و (٢٤٧٩) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عبد الله بن عمر. وللحديث روايات عدة، انظرها في "جامع الأصول" ٢/ ٥٤١ - ٥٤٣.
(٦) في ب، ط: "لم أقرب".
(٧) في ب، ط: "للسائرين".
(٨) من حديث أخرجه ابن ماجه رقم (١١٧) في المقدمة: باب فضائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن ابن أبي ليلى. وفي زوائد البوصيري: إسناده ضعيف، ابن أبي ليلى شيخ وكيع، وهو محمد، ضعيف الحفظ، لا يحتج بما ينفرد به. غير أن الشيخ الألباني أورده في "صحيح ابن ماجه" برقم ٩٥ ورمز له بالحسن، وذلك بطريقين آخرين، في أوسط الطبراني، وحسنه الهيثمي في "مجمع الزوائد".

<<  <   >  >>