للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صام الأشهرَ الحرُمَ كلَّها ابنُ عمرَ والحسنُ البصريُّ وغيرُهما. قال بعضهم: إنما هو غَداءً وعَشاءٌ، فإن أخَّرْتَ غَداءَك إلى عشائكَ أمسيْتَ وقد كُتِبْتَ في ديوان الصائمين.

"للصائم فَرْحَتان (١): فَرْحَةٌ عند فِطرِه، وفرحةٌ عند لقاءِ ربِّه" إذا وجد ثوابَ صيامه مدخورًا. سمِعَ بعضُهم مناديًا ينادي على السَّحُورِ في رمضان: ياما خبَّأْنا للصُوَّام، فانتبَه لذلك (٢) وسَرَدَ الصوم. ورُوي أن الصائمين توضَعُ لهم مائدةٌ تحت العرش، فيأكلون والناسُ في الحسابِ، فيقولُ الناسُ: ما بالُ هؤلاء يأكلون ونحنُ نحاسَبُ؟ فيقالُ: كانوا يَصُومونَ وأنتمَ تُفْطِرون. وروي أنَّهم يُحكَّمُونَ في ثمارِ الجنَّة والناسُ في الحساب.

رَوَى ذلك ابنُ أبي الدنيا في "كتاب الجوع" (٣). قال الله تعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (٤). وقال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (٥). قال مجاهدٌ وغيرُه: نزلت في الصُّوَّامِ. من تركَ لله طعامَه وشرابَه وشهوتَه عوَّضه اللهُ خيرًا من ذلك طعامًا وشرابًا لا ينفَدُ، وأزواجًا لا تموتُ.

وفي التوراة: طُوبَى لمن جَوَّعَ نفسَه ليومِ الشبَعِ الأكبرِ، طُوبَى لمن ظمَّأَ نفسَه ليومِ الرِّيِّ الأكبرِ، طُوبَى لمن تَرَك شهوةً حاضرةً لموعدِ غَيبٍ لم يَرَه، طُوبَى لمن تَرَك طعامًا ينفَدُ في دارٍ تنفَدُ، لدارٍ {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} (٦):

مَنْ يُرِدْ مُلْكَ الجِنانِ … فَلْيَذَرْ عنهُ التَّوانِي

وَلْيَقُمْ في ظُلْمَةِ اللَّيـ … ـلِ إلى نُورِ القُرانِ


(١) في ش: "فرحتان يفرحهما". وهو قطعة من حديث رواه مسلم رقم (١١٥١) (١٦١) في الصيام، باب فضل الصيام.
(٢) في ش، ع: "بذلك".
(٣) منه نسخة خطية في دار الكتب الظاهرية بدمشق، مجموع رقم (٨٩).
(٤) سورة الأحزاب الآية ٣٥.
(٥) سورة الحاقة الآية ٢٤.
(٦) سورة الرعد الآية ٣٥، وتمامها: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}.

<<  <   >  >>