للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأعمالِ ما أُكْرِهَتْ عليه النُّفوسُ، ولأنَّ القراءة في صلاة الليلِ أقربُ إلى التَّدبُّرِ؛ فإنه تنقطِعُ الشواغلُ بالليل، ويحضُر القلبُ، ويتواطأُ هو واللسانُ على الفهم، كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} (١). ولهذا المعنى أُمِرَ بترتيلِ القرآن في قيام الليل ترتيلًا، ولهذا كانت صلاةُ الليل مَنْهَاة (٢) عن الإِثم، كما يأتي في حديثٍ خَرَّجَه الترمذيُّ.

وفي المسند (٣) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له: إنَّ فلانًا يصلِّي مِنَ الليل، فإذا أصبَحَ سَرَقَ، فقال: "سينهاهُ ما تقولُ". ولأن وقتَ التهجُّدِ من الليل أفضلُ أوقاتِ التطوُّع بالصَّلاةِ، وأقربُ ما يكون العبدُ من ربِّه، وهو وقتُ فتحِ أبوابِ السَّماءِ واستجابةِ الدعاءِ، واستعراض حوائج السائلين. وقد مدَح الله تعالى المستيقظِينَ بالليل لذكرِه ودعائِه واستغفاره ومناجاتِه، فقال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٤). وقال الله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (٥). وقال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (٦). وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (٧). وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (٨). وقال تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (٩).

وقال لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (١٠). وقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} (١١). وقال


(١) سورة المزمل الآية ٦.
(٢) في ب، ط: "تنهاه".
(٣) رواه أحمد في "المسند" ٢/ ٤٤٧ قال: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، قال: أخبرنا أبو صالح عن أبي هريرة. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٩، قال: "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن الأعمش قال: أرى أبا صالح عن أبي هريرة".
(٤) سورة السجدة الآية ١٦ و ١٧.
(٥) سورة آل عمران الآية ١٧.
(٦) سورة الذاريات الآية ١٧ و ١٨.
(٧) سورة الفرقان الآية ٦٤.
(٨) سورة الزمر الآية ٩.
(٩) سورة آل عمران الآية ١٣.
(١٠) سورة الإسراء الآية ٧٩.
(١١) سورة الإنسان الآية ٢٦.

<<  <   >  >>