وتذويبه تذويباً بطيئاً حتى يكون أثراً بعد عين، ثم في النهاية قطع آمال الأمة العريضة التي ينتسب هذا الشعب إليها أن تتطلع إلى هذه الأرض مرة ثانية، أو تفكر مجرد تفكير في العودة إليها، ولا يتم ذلك إلا بقطع الصلات الدينية والفكرية والثقافية التي تربط بين الأمة وهذه الأرض.
* إنه عمل رهيب حقاً، وهو نوع من الخيال لولا أن أجزاء كثيرة من هذه الخطة الجهنمية قد نفذت بالفعل ولم تبق إلا خطوات يسيرة وعقبات صغيرة يسهل اجتيازها والعبور فوقها.
* لم يكن غريباً أو عجيباً أن يعود اليهود إلى تاريخهم وأن يحفظوا توراتهم وتلمودهم وأسماء قراهم ومدنهم وشوارعهم في دولتهم القديمة، وأن يعودوا لإحياء لغتهم التي ماتت وأصبحت أثراً بعد عين فهم يعتقدون أنهم بذلك يحققون ذاتهم ويحيون هويتهم ويقيمون دولتهم ويحصنون أنفسهم، ولكن الغريب حقاً أنهم يحاولون إن يزيلوا تاريخ الأمة الإسلامية وأن يمحوا تراثها وأن يبدلوا عقائد وجلود أبنائها بل وإن يحققوا فيهم ردة جماعية نحو الجاهلية الأولى قبل ثلاثة آلاف سنة وكان اليهود في إحيائهم لدولتهم القديمة يريدون أن يتعاملوا مع نفس الشعوب التي تعاملوا معها في ذلك التاريخ، إنهم يريدون انقلاباً كاملاً في التصورات والأفكار والعقائد والموازين أنهم يريدون للعالم الإسلامي حولهم ردة حضارية تمحو تاريخ ألف وأربعمائة سنة وهذا شيء فوق التصور والفهم.
* منذ عام تقريباً كتبت في هذه الزاوية مقالاً بعنوان:"من ذا الذي يستطيع أن يعبر فوق هذا التراث" مهوناً من شأن المحاولات التي كانت تبذل في هذا الوقت لما يسمى بالحل السلمي مبيناً أنه لا مكان للقاء حضارتين متضادتين