المواقف التي وقفت فيها دولة كبرى في جانبنا كانت لمصلحة راجحة لتلك الدولة وبانتهاء المصلحة غيرت الدولة موقفها.
فبعد هزيمة ١٩٦٧م لم تبق دولة كبرى كنا نؤيدها في مواقفها إلا وتنكرت لنا وأيدت إسرائيل ونظمت المظاهرات والمسيرات احتفالاً بانتصار اليهود وعصب الشباب هناك عيونهم بعصابة (موشي ديان) ذي العين الواحدة، وكتب في كل مكان عندهم على الحوانيت والمطاعم والفنادق "ممنوع دخول العرب والكلاب" وسار رجل كجان بول سارتر -طالما أشاد بذكره الأغبياء عندنا- على رأس مظاهرة من هذه المظاهرات في فرنسا تأييداً لإسرائيل، ولم تكلف دولة عظمى نفسها حتى بخطاب تعزية أو بيان استنكار واحتجاج، بل نصحونا بأن نتلقى الضربة الأولى، فكانت الأولى والقاضية أيضاً.
ولكن هذه الأمور تغيرت جميعها بعد نصر أكتوبر، ففي أثناء هزيمة إسرائيل مكث زعيم الاتحاد السوفييتي في مصر أربعة أيام كاملة يتوسل إلينا لإيقاف الحرب، و (داخ) كيسنجر في اللف والدوران بين موسكو ودمشق والقاهرة وعمان وتل أبيب متوسلاً لإيقاف الحرب وإنقاذ إخوانه اليهود، ولم تبق دولة إفريقية كانت تؤيد اليهود إلا وقطعت علاقاتها معهم ورفعت اللافتات التي كانت تستهزئ بالعرب، وارتفع سعر النفط، وركعت أوروبا، وامتلأت صفحات الجرائد والمجلات عندنا بدعوة أثرياء النفط إلى زيارة لندن وباريس وجنيف ومدريد لقضاء أجمل الأوقات وتقديم أفضل الخدمات (وكنا بالأمس نسوى بالكلاب) .
لقد كان هذا الدرس كافياً لنتعلم أن تأييد الدول الكبرى والصغرى أيضاً لا يطلب بالاستجداء، وإنما: كن قوياً يحترمك الأقوياء والضعفاء أيضاً، وكن ضعيفاً ولن تجد في هذا العالم