للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا:

أن التخيير: جمع بين النقيضين، واطّراح لكلا الدليلين، وكلاهما باطل.

أما بيان اطّراح الدليلين: فإذا تعارض الموجَب والمحرَّم فيصير على التخيير المطلق، وهو حكم ثالث غير الدليلين معًا، فيكون اطّراحًا لهما، وتركًا لموجبهما.

وأما الجمع بين النقيضين: فإن المباح نقيض المحرَّم، فإذا تعارض المبيح والمحرِّم، فخيرناه بين كونه محرَّمًا يأثم بفعله، وبين كونه مباحًا لا إثم على فاعله: كان جمعًا بينهما، وذلك محال.

ولأن في التخيير بين الموجِب والمبيح رفعًا للإيجاب، فيصير عملًا بالدليل المبيح عينًا، وهو تحكم، قد سلموا بطلانه١.

قولهم٢: "إنما جاز بشرط القصد".

قلنا:

فقبل أن يقصد العمل بأحدهما: ما حكمه؟

إن قلتم: حكمه الوجوب والإباحة معًا، والتحريم والحل معًا، فقد جمعتم بين النقيضين.

وإن قلتم: حكمه التخيير، فقد نفيتم الوجوب قبل القصد، واطّرحتم دليله، وأثبتم حكم الإباحة من غير شرط.

وإن قلتم: لا حكم له قبل القصد، وإنما يصير له بالقصد حكم.

فهذا إثبات حكم بمجرد الشهوة، والاختيار من غير دليل؛ فإن


١ حيث قالوا في دليلهم السابق: "ولا سبيل إلى التحكم، لم يبق إلا التخيير".
٢ بدأ المصنف يناقش أدلة المذهب الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>